عنوان الفتوى : مآل أبويه صلى الله عليه وسلم
السلام عليكم ورحمة الله هل والدا الرسول(صلى الله عليه وسلم) يدخلان الجنة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلقد خاض كثير من الناس في هذه المسألة وشرقوا وغربوا.. فمنهم من قال: إن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك، وهذا لم يصح عن أحد من أهل الحديث. بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلق. وقد روى هذا أبو بكر الخطيب في كتاب (السابق واللاحق) وذكره أبو القاسم السهيلي في شرح السيرة بإسناد فيه مجاهيل، وذكره كذلك أبو عبد الله القرطبي في "التذكرة". ولا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذباً كما نص على ذلك أهل العلم، وهذا الخبر ليس في الكتب المعتمدة في الحديث كالصحيحين. وبالجملة فإن ظهور كذب ذلك لا يخفى على حامل علم، ومثل هذه الحادثة لو وقعت لكانت مما تتوافر الدواعي على نقلها لأنه من أعظم الأمور خرقا للعادة وذلك من وجهين: الأول: من جهة إحياء الموتى. والثاني: من جهة الإيمان بعد الموت. فكان نقل هذا أولى من نقل غيره، فلما لم يروه أحد من الثقات علم أنه كذب مختلق، وهذا الخبر المذكور خلاف ما ثبت في السنة الصحيحة والإجماع. وأما السنة الصحيحة فقد جاء في صحيح مسلم: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أين أبي؟ قال: إن أباك في النار. فلما أدبر دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار. وفي صحيح مسلم أيضاً أنه قال: استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنه في أن استغفر لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة . وفي المسند وغيره قوله صلى الله عليه وسلم: إن أمي مع أمك في النار . وقد قيل: إن هذا كان عام الفتح والإحياء كان بعد ذلك في حجة الوداع ولهذا ذكر ذلك من ذكره وقالوا: بدخولها الحجة وبهذا أيضا اعتذر القرطبي صاحب التذكرة وهذا باطل من ثلاثة وجوه: الأول: إن الإخبار عما كان ويكون لا يدخله النسخ، كقوله تعالى: سيصلى ناراً ذات لهب وهذا في أبي لهب وكقوله في الوليد: سأرهقه صعوداً وكذلك قوله: (إن أبي وأباك في النار) (وإن أمي وأمك في النار) وهذا ليس خبراً عن نار يخرج منها صاحبها كأهل الكبائر، لأن أبويه لو كانا كذلك لجاز الاستغفار لهما. ولو سبق في علم الله تعالى أنهما سيؤمنان ويكون مآلهما للجنة لما نهاه الله عن الاستغفار لأمه فإن الأعمال بالخواتيم، ومن مات مؤمناً فإن الله يغفر له فلا يكون الاستغفار له ممتنعا. الثاني: أنهما لو كانا مؤمنين إيماناً ينفع كان أحق بالشهرة والذكر من عميه حمزة والعباس رضي الله عنهما. الثالث: أن الله تعالى قال: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه.. إلى قوله: لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء [الممتحنة: 4] وقال تعالى: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم [التوبة: 114] هذا والله أعلم.