عنوان الفتوى : ريق الهرة يطهر فمها
كنت قد سألت حضراتكم عن علف القطط ، فأحلتموني إلى فتوى يقول فيها السائل إن هذه الأعلاف مكونة من مواد نجسة مثل الدم والعظم، ولكن لو كانت استحالت قبل التصنيع فهي طاهرة، سؤالي هو: في حال لم أتحقق هل استحالت أم لا فبماذا أحكم عليها؟ وأحيانا يلعق القط يدي فأحكم بأن يدي تنجست، وأحيانا أنسى غسلها حتى تجف النجاسة، ولا يبقى لها أثر كلون أو رائحة، فهل تعتبر هذه النجاسة حينها حكمية؟ ثم أتوضأ بيدي هذه فهل بذلك تنتشر النجاسة؟ وفي النهاية يرجى توضيح هل إذا أصاب البدن نجاسة وجفت ثم ابتل موضع النجاسة بالماء أو العرق فهل تنتقل النجاسة في هذا الحال إذا لامست موضعا طاهرا؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبخصوص شكك في الأعلاف النجسة، هل استحالت أم لا؟ فالأصل عدم الاستحالة، كما ذكرنا في الفتوى رقم: 113514.
ولا يضرك أن لعق القط يدك؛ وقد نص الفقهاء على أن ريق الهرة يطهر فمها؛ قال ابن القيم في تحفة المودود: وَقَالَ شَيخنَا وَغَيره من الْأَصْحَاب بل ريق الطِّفْل يطهر فَمه للْحَاجة كَمَا كَانَ ريق الْهِرَّة مطهرا لفمها، وَقد أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا لَيست بِنَجس مَعَ علمه بأكلها الفأر وَغَيره، وَقد فهم من ذَلِك أَبُو قَتَادَة طَهَارَة فمها وريقها وَكَذَلِكَ أصغى لَهَا الْإِنَاء حَتَّى شربت، وأخبرت عَائِشَة ـ رَضِي الله عَنْهَا ـ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يصغي إِلَى الْهِرَّة مَاء حَتَّى تشرب ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلها وَاحْتِمَال وُرُودهَا على مَاء كثير فَوق الْقلَّتَيْنِ فِي الْمَدِينَة فِي غَايَة الْبعد حَتَّى وَلَو كَانَت بَين مياه كَثِيرَة لم يكن هَذَا الِاحْتِمَال مزيلا لما علم من نَجَاسَة فمها لَوْلَا تَطْهِير الرِّيق لَهُ فالريق مطهر فَم الْهِرَّة. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: فَصْلٌ: إذَا أَكَلَتْ الْهِرَّةُ نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَتْ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ بَعْدَ أَنْ غَابَتْ، فَالْمَاءُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نَفَى عَنْهَا النَّجَاسَةَ، وَتَوَضَّأَ بِفَضْلِهَا، مَعَ عِلْمِهِ بِأَكْلِهَا النَّجَاسَاتِ، وَإِنْ شَرِبَتْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ، فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَنْجُسُ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَصَابَهُ بَوْلٌ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ تَغِبْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَفَى عَنْهَا مُطْلَقًا، وَعَلَّلَ بِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا؛ وَلِأَنَّنَا حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ سُؤْرِهَا مَعَ الْغَيْبَةِ فِي مَكَان لَا يُحْتَمَلُ وُرُودُهَا عَلَى مَاءٍ كَثِيرٍ يُطَهِّرُ فَاهَا، وَلَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ فَهُوَ شَكٌّ لَا يُزِيلُ يَقِينَ النَّجَاسَةِ، فَوَجَبَ إحَالَةُ الطَّهَارَةِ عَلَى الْعَفْوِ عَنْهَا، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ الْغَيْبَةِ.
وراجع في مسالة انتقال النجاسة الفتويين التالية أرقامهما: 110609، 116329.
والله أعلم.