عنوان الفتوى : سرق جهازا ونقله لبلد آخر وبعد سنين أراد أن يتوب فكيف يبرئ ذمته
أثناء دراستي في الجامعة قمت بسرقة جهاز خاص بالإلكترونيات من الجامعة التي درست بها، والآن مر على هذا الأمر حوالي 3 سنوات، وما زال الجهاز عندي، والجامعة تقع في اليمن وأنا أعيش في السعودية، وأريد أن أتوب من هذا الذنب فماذا عليّ أن أفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوبة من هذا الذنب تكون بالندم عليه بعد الإقلاع عن فعله؛ خوفًا من الله، وطلبًا لمرضاته، ثم العزم الصادق على عدم العودة إلى مثله، مع رد الحقوق إلى أهلها.
فلا بد من رد هذا الجهاز إلى الجامعة التي سرق منها، ما دام باقيًا على حاله لم يتلف، فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي. قال الصنعاني في (سبل السلام): الحديث دليل على وجوب رد ما قبضه المرء وهو ملك لغيره، ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه أو من يقوم مقامه؛ لقوله: "حتى تؤديه" ولا تتحقق التأدية إلا بذلك، وهو عام في الغصب والوديعة والعارية. اهـ.
وقال ابن قدامة في (المغني): من غصب شيئا لزمه رده، ما كان باقيا، بغير خلاف نعلمه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه». ولأن حق المغصوب منه متعلق بعين ماله وماليته، ولا يتحقق ذلك إلا برده. فإن تلف في يده، لزمه بدله؛ لقول الله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194]، ولأنه لما تعذر رد العين، وجب رد ما يقوم مقامها في المالية. اهـ.
وقال أيضا: إن غصب شيئا، فبعَّده، لزمه رده، وإن غرم عليه أضعاف قيمته؛ لأنه جنى بتبعيده، فكان ضرر ذلك عليه ... وإن قال المالك: رده لي إلى بعض الطريق. لزمه ذلك؛ لأنه يلزمه جميع المسافة، فلزمه بعضها المطلوب، وسقط عنه ما أسقطه. اهـ.
وقال الرملي في (نهاية المحتاج): (وعلى الغاصب الرد) فورا عند التمكن، وإن عظمت المؤنة في رده، ولو لم يكن متمولا -كحبة بر، أو كلب يقتنى-، وسواء أكان مثليا أم متقوما، ببلد الغصب أم مستنقلا عنه، ولو بنفسه أو فعل أجنبي؛ لخبر: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه". اهـ.
ثم إن كان هذا الجهاز مما جرت العادة بتأجيره لزم غاصبه أجرة المثل لمدة بقائه عنده، وإن نقصت قيمته أو تعيَّب عنده لزمه مع ذلك قيمة هذا النقص؛ قال البهوتي في (الروض المربع): إذا كان المغصوب مما جرت العادة بإجارته لزم الغاصب أجرة مثله مدة بقائه بيده استوفى المنافع أو تركها تذهب. اهـ.
وعلل ذلك ابن قاسم في حاشيته فقال: لأن المنفعة مال متقوم، فوجب ضمانه كالعين، والانتفاع بالمغصوب لا يجوز إجماعًا، وإن تلف المغصوب فعليه أجرته إلى وقت تلفه. اهـ.
وقال الشيخ الدكتور/ صالح الفوزان في (الملخص الفقهي): إن غصب شيئا وحبسه حتى رخص سعره؛ ضمن نقصه على الصحيح ... وإذا كان المغصوب مما جرت العادة بتأجيره؛ لزم الغاصب أجرة مثله مدة بقائه بيده؛ لأن المنافع مال منقول، فوجب ضمانها كضمان العين. اهـ.
فليجتهد السائل في رد هذا الجهاز ما دام باقيًا إلى الجامعة اليمنية، بإيصاله بنفسه، أو إرساله مع غيره، بأي سبيل تيسر. مع بذل أجرة مثله إن كان مما يؤجر، وقيمة نقص سعره في مدة بقائه عنده. وليستغفر الله تعالى.
والله أعلم.