عنوان الفتوى : حكم الاستماع للعقلانيين والخرافين والخوارج بحجة أخذ الحق وترك الباطل .
ما ردكم على من يستمع لأهل بدع واهواء عقلانيون وصوفيون خرافيون وخوارج عندما تنهاه عن الاستماع لهم يقول لك خذ حق واترك باطل وهل القاعدة تصلح لكل مسلم أم هي للعلماء ؟
الحمد لله
الاستماع إلى أهل الضلال والأهواء والبدع ، كالعلمانيين والخرافيين والخوارج والروافض : خطر عظيم على دين المرء، ما لم يكن عالما بشبهاتهم والرد عليها، وإلا فلا يؤمن عليه أن يقذفوه فيها.
ولهذا حذر أئمة السلف من الجلوس إلى أهل الأهواء، أو استماع شبهاتهم.
كان أبو قلابة رحمه الله يقول: " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم ".
وقال أبو إسحاق الهمداني: " من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ".
ودخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء، فقالا: يا أبا بكر نحدثك، قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل، قال: لا، لتقومُنَّ عني ، أو لأقومَنَّه . فقام الرجلان فخرجا.
وقال الفضيل بن عياض: " لا تجلس مع صاحب بدعة؛ فإني أخاف أن ينزل عليك اللعنة ".
وقال محمد بن النضر الحارثي: " من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة، وهو يعلم أنه صاحب بدعة، نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه ".
وقال عبد الرزاق الصنعاني الإمام: قال: قال لي إبراهيم بن أبي يحيى: " إني أرى المعتزلة عندكم كثيرا. قلت: نعم، وهم يزعمون أنك منهم. قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت: لا. قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، وإن الدين ليس لمن غلب.
وانظر هذه الآثار في "الشريعة للآجري"، و"أصول اعتقاد أهل السنة" لللالكائي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وكل من أظهر هذه الإشارات البدعية ، التي هي فُشارت [ أي : هذيان ، لا حقيقة له ] ... ، فهم أهل باطل وضلال ، وكذب ومِحال [ المِحال : المكر وطلب الأمور بالحيل ]، مستحقون التعزير البليغ والنكال ، وهم إما صاحب حال شيطاني ، وإما صاحب حال بهتاني ؛ فهؤلاء جمهورهم ، وأولئك خواصهم .
وهؤلاء يجب عليهم أن يتوبوا من هذه البدع والمنكرات ، ويلزموا طريق الله الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ليس لهم أن يكونوا قدوة للمسلمين ، وليس لأحد أن يقتدي بهم .
ومن كثر جمعهم الباطل ، وحضر سماعاتهم التي يفعلونها في المساجد وغيرها ، أو حسن حالهم ، أو قرر مِحالهم من أئمة المساجد : فإنه مستحق التعزير البليغ الذي يستحقه أمثاله. وأقل تعزيره : أن يعزل مثل هذا عن إمامة المسلمين ؛ فإن هذا معين لأئمة الضلالة ، أو هو منهم ، فلا يصلح أن يكون إماما لأهل الهدى والفلاح . قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة /2، وقال تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران /104"
"جامع المسائل" (3/153-154) ط عالم الفوائد .
وينظر جواب السؤال رقم (114416).
وقال الذهبي رحمه الله وساق قول سفيان: "من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه، وعنه: من يسمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه لا يلقيها في قلوبه".
ثم قال الذهبي: " قلت: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة " انتهى من "سير أعلام النبلاء (7/ 261).
فإذا كان هذا حال الأئمة، فكيف بمن لا حظ له من العلم ؟!
وأما مقولة: خذ الحق، واترك الباطل، فهذه لمن تمكن في العلم ، وصارت له من الفقه والملكة ما يميز به بين الحق والباطل، ويكون لاستماعه حاجة ومقصد معتبر، كالرد على شبهاتهم.
وبعض الناس يظن أنه يميز بين الحق والباطل، والواقع أنه بعيد عن ذلك؛ لأن أهل الأهواء والبدع قد يكون لهم شبهات دقيقة، يحتاج معرفة باطلها إلى حظ كبير من العلم، فربما اتصلت الشبهة بمباحث لغوية، أو عقلية، أو أصولية، والمستمع لم يدرس اللغة، ولا المعقول، ولا الأصول، فأنّى له أن يعرف بطلان ما يلقى عليه، فضلا عن تمكنه من رده.
وقد كان الجلوس إلى أهل الأهواء سببا في انحراف جماعة من الأذكياء ممن لهم حظ من العلم.
1-كان انحراف عمران بن حطان إلى رأي الخوارج بسبب امرأة، ظن أنه سيتزوجها ويردها إلى السنة.
قال الذهبي رحمه الله: " عن ابن سيرين، قال: تزوج عمران خارجية، وقال: سأردها.
قال: فصرفته إلى مذهبها" انتهى من سير أعلام النبلاء (4/ 214).
2-وتأثر ابن عقيل الحنبلي رحمه الله بالمعتزلة، لسماعه منهم.
قال ابن رجب رحمه الله في ترجمة ابن عقيل الحنبلي: " أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد، وابن التُّبان ، شيخي المعتزلة. وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة، وتأول لبعض الصفات .
ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله" انتهى من ذيل طبقات الحنابلة (1/ 322).
وابن عقيل كان من أذكياء الناس، ومع ذلك تأثر بهذا التلقي.
نقل الذهبي عنه قوله: " وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء، وكان ذلك يحرمني علما نافعا".
وعلق الذهبي بقوله: "قلت: كانوا ينهونه عن مجالسة المعتزلة، ويأبى حتى وقع في حبائلهم، وتجسر على تأويل النصوص - نسأل الله السلامة - " انتهى من السير (19/ 447).
فانصح صاحبك أن يصون سمعه عن الشبهات، وأن يحذر على قلبه، وألا يغتر بنفسه، وأن يلزم هدي السلف في مجانبتهم لأهل الأهواء، وعدم الإنصات لهم.
وقانا الله وإياكم البدع والأهواء وأهلها.
وانظر: جواب السؤال رقم (223300) في أخذ العلم عن المبتدع.
وينظر ، حول هجر المبتدع : (22872) ورقم (171445) ورقم (218771).
والله أعلم.