عنوان الفتوى : هل يهجر من يطعن ويسخر من علماء أهل السنة ؟
مدة
قراءة السؤال :
دقيقة واحدة
يوجد في بلدتي داعية أشعري العقيدة يقول بأن علمائه قالوا : إن محبي الشيخين ابن باز و ابن عثيمين رحمهما الله مثل الدجاج ، لهم أجنحة ولكنهم لا يطيرون . وأعتقد أنهم يقولون أيضا أن أهل الأثر يعدون من المجسمة. كيف ينبغي أن نتعامل مع مثل هؤلاء؟ و هل نبدؤهم بالسلام؟ وهل يجوز ألا نتعامل معهم ، وألا نلبي دعواتهم ؟
مدة قراءة الإجابة :
5 دقائق
الحمد لله.
أولا :
أما السباب والشتم والسخرية والاستهزاء ، فهذا لا يعجز عنه أحد ، وأبرع الناس في السباب والسخرية : أبعدهم عن الدين والخلق والمروءة ، فليس هذا مما ينبغي أن يتظاهر به العاقل الدين ، بل يستتر به ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) متفق عليه .
ووصف الله تعالى المجرمين المكذبين في كتابه ، فجعل من صفاتهم أن يستهزئون بالمؤمنين ؛ قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)
فلا عليك من سخريتهم واستهزائهم ، فالله حسيبهم ، وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون .
وكان الواجب على هذا الشخص المذكور : إن كان عنده علم ودين ، ويملك من الدليل ما يرد به على من يخالفه : أن يذكر دليله ، ويبين الحق الذي معه ، ويدع الشتم والسخرية لأهلها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَإِنَّ الرَّدَّ بِمُجَرَّدِ الشَّتْمِ وَالتَّهْوِيلِ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ أَحَدٌ. وَالْإِنْسَانُ لَوْ أَنَّهُ يُنَاظِرُ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ: لَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ الْحُجَّةِ مَا يُبَيِّنُ بِهِ الْحَقَّ الَّذِي مَعَهُ وَالْبَاطِلَ الَّذِي مَعَهُمْ. فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَقَالَ تَعَالَى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . فَلَوْ كَانَ خَصْمُ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ - سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَشْهَرِ الطَّوَائِفِ بِالْبِدَعِ كَالرَّافِضَةِ - لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْحُجَّةَ وَيَعْدِلَ عَمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ كَانَ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ دَع وَالْمُنَازِعُونَ لَهُ - كَمَا ادَّعَاهُ - هُمْ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ أَعْلَمُ مِنْهُ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ فِي كَلَامِهِ وَرَدِّهِ لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةِ أَصْلًا لَا حُجَّةً سَمْعِيَّةً وَلَا عَقْلِيَّةً " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/186-187) .
ثانيا :
أما حكم هجره وعدم التسليم عليه ، أو إجابة دعوته ، فليعلم أن الأصل تحريم هجر المسلم فوق ثلاث ، لكن هذا حيث يكون الهجر لحظ النفس ، أو حال الدنيا .
وأما الهجر لأهل الدين ، مثل هجر أهل البدع ، أو أهل الفسق والفجور : فهذا أمر ينظر فيه إلى المصلحة الشرعية ؛ فإن غلب على الظن حصول مصلحة شرعية من وراء هذا الهجر ، كأن يرتدع المبتدع عن بدعته ، أو ينفض الناس من حوله ، أو يقل عدد المغترين به ، أو يضعف انتشار بدعته ، أو نحو ذلك من المصالح الشرعية : فإنه هجره حينئذ يكون مشروعا .
وهكذا يشرع هجر أهل البدع ، لا سيما المتعالن منهم ببدعته ، أو الداعي إليها : حفاظا على دين المرء أن يناله شيء من شبه المبتدعة ، أو يقع في قلبه شيء من كلامهم ، خاصة لمن لم يكن له من العلم ما يحفظه من ذلك . وعلى هذا جرى عمل السلف الصالح .
قال البغوي رحمه الله :
" وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم ، وعلماء السنة على هذا ، مجمعين متفقين ، على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم " انتهى من "شرح السنة" (1/227) .
وينظر : جواب السؤال رقم (22872) ورقم (47425) .