أرشيف المقالات

غطرسة شنودة وحق المطلقين في الحياة - خالد حربي

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .

لا أستطيع أن أخفي سعادتي بحكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام شنودة بمنح تصاريح زواج ثاني للمطلقين النصارى الأرثوذكس، لكن سعادتي الكبرى كانت بموقف شنودة المتطرف من هذا الحكم وإصراره الغير مبرر على دفن 300 ألف أرثوذكسي تحت أنقاض أوهامه "المقدسة".
  بل لقد دفن شنودة أيضا بتصرفه الأحمق كل أعداء الإسلام الذين ينادون ليل نهار بدولة علمانية وحكم ليبرالي.     خرست الأصوات فلا تسمع إلا صمتا وخيما، بل لقد أسرعت حرباء ليبرالية تسترزق بعريها بالثناء على شنودة لقوة إيمانه بعقيدته وتحديه للدولة والقانون والإنسانية وحتى المسيحية نفسها.
  شنودة أيضا دفن "دولة القانون" تحت ركام كبريائه، ولم يجد نظام العسكر ما يفعله سوى المزيد من المماطلة لتأجيل الإعلان الرسمي عن فك الارتباط السيادي والقانوني بين دولة الكنيسة الأرثوذكسية وجمهورية مصر العربية.  
سبب سعادتي بهذه الأزمة أن شيئا من ذيل الذئب ظهر للمخدوعين فيه، وكثيرا ما كنت أقول للنصارى أنهم حين يتحقق حلمهم الطائفي بدويلة صليبية على أرض مصر فلن تشفع لهم دموع الندم ولا حتى دماؤه لتخرجهم من أتون الحكم الكنسي، فالكنيسة التي لم تنفرد منذ 1500 عام بحكم المصريين النصارى، لو مكنت منهم لحكمتهم بالحديد والنار ولنصبت محاكم التفتيش أمام كل مذبح ومحارق الهراطقة فوق كل كنيسة، وخوازيق المنشقين تحت كل صليب.  
وها هو نموذج بسيط لخلاف في الرأي حول أسباب التطليق حمل شنودة فيه الرمح والسيف على من خالفه، مع أن الكنسية ظلت لسنوات طويلة تحكم باللائحة التي وضعها المجلس الملي عام 1938م والتي وافق عليها البطريرك يؤنس التاسع عشر وهناك تسع حالات موجودة في لائحة 1938م هذه الحالات قد تضمنها القانون 462م لسنة 1955م الخاص بالأحوال الشخصية في تسع مواد من المادة رقم 50 حتى المادة رقم 58 وهو القانون السابق ذكره في محاكم الأحوال الشخصية اليوم والحالات التسع هي...
أولاً: الزنا . ثانياً: اعتناق أحد الزوجين ديانة غير الديانة المسيحية. ثالثاً: غياب أحد الزوجين لمدة خمس سنوات متتالية وصدور حكم بإثبات غيابه. رابعاً: الحكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس. خامساً: إذا أصيب أحد الزوجين بالجنون أو بمرض معد يجوز الطلاق بعد مضي ثلاث سنوات على الجنون أو الإصابة بالمرض أو إصابة الزوج بمرض العته.   سادساً : عند اعتداء أحد الزوجين على الآخر إعتداءاً جسيماً يعرضه للخطر. سابعاً: إذا ساء سلوك أحد الزوجين وانغمس في حياة الرذيلة. ثامناً: إذا أساء أحد الزوجين إلى الآخر واستحكم النفور بينهما واستمرت الفرقة بينهما لمدة ثلاث سنوات. تاسعاً: إذا ترهبن أحد الزوجين.  
إلا أن شنودة لا يميل لهذا القول فقام بتعليق العمل باللائحة من طرف واحد، وكان من الطبيعي أن تتأزم حياة النصارى فلجأ بعضهم إلى المحاكم للحصول على الطلاق فحصلوا عليه بالفعل، وعندما أرادوا الزواج مرة أخرى وجد شنودة فرصته للانتقام من هؤلاء الذين خالفوه الرأي وجرحوا كبريائه فرفض منحهم تصاريح للزواج مرة أخرى، واشتعلت الأزمة التي لم يكن آخر فصولها حكم نهائي بإلزام شنودة بمنح تصاريح الزواج للمطلقين، فالأمر تطور إلى طعن بعض النصارى قانونيا في شرعية شنودة وطالبوا بإقالته!!  
هذه الأزمة بلا شك كشفت شيئا من وجه شنودة الحقيقيا، وهو بتعصبه وغطرسته ساعد على تضييق الخناق على النصارى الأرثوذكس وهو ما سيدفعهم بلا شك للبحث عن مخرج.     ويجب هنا أن نقول كلمتين: الأولى: للنظام المستكين لجبروت شنودة، فهذه فرصة ذهبية لسحب البساط من تحت قدمه، واستعادة السيطرة على خمسة ملايين مصري خرجوا من عباءة الوطن لحظيرة الكنيسة، ويجب على الدولة أن تفك الارتباط التشريعي مع الكنيسة فتلغي شهادة "خلو الموانع" من متطلبات الزواج المدني للنصارى، وحينها سيفقد شنودة الكثيرين ممن يفضلون حياتهم الحقيقية على كاريزما البابا وكبريائه.   وعلى الدولة أن تدرك أن التراجع أو الخضوع لسطوة شنودة في هذه الأزمة سيكون خطأ تاريخي أخطر من كل أخطائها السابقة.  
الكلمة الثانية: أوجهها للنصارى المصريين الذين يكتوون بنار الطاغية شنودة، إذا كان شنودة لا يستطيع أن يخالف وجهة نظره، فما الذي يحملكم أنتم على الخضوع له. هل الآلاف الذين عاشوا سنوات طويلة تحت مظلة لائحة 1938 والتي وافق عليها البابا يؤنس والمجلس الملي كانوا كفاراً وهراطقة؟!  
ليس غريبا أن يتمسك شنودة بوجهة نظره لكن الغريب أن يضحي النصارى بحياتهم لمجرد وجهة نظر يخالفه فيها المجلس الملي والبابوات السابقين.  
هل لو اعتقد شنودة مثلا أن الاستحمام ينافي العقيدة الأرثوذكسية ستمتنعون عن الاستحمام؟!!   ربما شنودة ينفث عن مركب نقص لأنه لم يستطع يوما أن يتذوق معنى الزواج والأسرة والأطفال، لكن من يضحي بحياته لمجرد أن يشعر شنودة بالراحة لا يستحق هذه الحياة.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢