حديث: من أخذ أموال الناس يريد أداءها
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
حديث: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها"عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله))؛ رواه البخاري[1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: يشمَل الحديث كل من أخذ أموال الناس بأي طريق مباح، فيدخل في ذلك أخذ المال عن طريق القرض أو العارية أو الوديعة أو غير ذلك، فمن أخذ شيئًا من ذلك وهو عازمٌ على أداء حق الناس أعانه الله تعالى على أدائه، وذلك في الدنيا بأن ييسر له الأداء، أو يعطف أصحاب الحق عليه لتحليله من الدين أو غير ذلك، وفي الآخرة إن لم يتيسر له ذلك في الدنيا بأن يرضيَ عنه خصومه فلا يأخذوا من حسناته ولا ترد عليه سيئاتهم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إما بأن يفتح عليه في الدنيا، وإما بأن يتكفل عنه في الآخرة[2]؛ اهـ، وقال العيني رحمه الله: يسر له ما يؤديه من فضله لحسن نيته[3]؛ اهـ، وإنما يسر الله له ذلك؛ لصدق نيته، وقوة عزيمته على أداء حقوق الناس.
الفائدة الثانية: في الحديث تهديد شديد للذين يأخذون أموال الناس وليس في نيتهم أداؤها، وقد تهددهم الله تعالى بالإتلاف، ومعنى هذا: أنهم بإساءتهم للناس يعادون الله تعالى ويبارزونه، وبذلك يستحقون العقوبة من الله تعالى بإتلافهم بأي نوع من الإتلاف، فقد يتلف الله نفوسهم، أو يتلف أموالهم، أو ينزع البركة منها، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: ((أتلفه الله)) ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا، وذلك في معاشه أو في نفسه، وهو عَلَمٌ من أعلام النبوة؛ لِما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئًا من الأمرين، وقيل: المراد بالإتلاف عذاب الآخرة[4]،وقال العيني رحمه الله: ((أتلفه الله)) يعني يذهبه من يده فلا ينتفع به؛ لسوء نيته، ويبقى عليه الدَّين، ويعاقب به يوم القيامة؛ اهـ[5]، وفي الحديث الحث على حسن الأداء، وهذا من محاسن الشريعة، ومكارم الأخلاق.
الفائدة الثالثة: أفاد الحديث جواز الاقتراض ونحوه من المداينات، وقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾ [البقرة: 282]، وهذه الآية عامة في جميع الديون، ومنها القرض، ولكن ينبغي ترك الاقتراض وتحمل الديون لغير حاجة؛ فقد جاءت الأحاديث بالترهيب من ذلك؛ ففي حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُغفَر للشهيد كل ذنب إلا الدَّين))؛ رواه مسلم[6]، وعن أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم، فذكر لهم: ((أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال))، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم، إن قُتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبِل غير مدبر))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كيف قلت؟))، قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفَّر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدَّين؛ فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك))؛ رواه مسلم[7].
[1] رواه البخاري في كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها 2/ 841 (2257).
[2] فتح الباري 5/ 54.
[3] عمدة القاري 12/ 226.
[4] فتح الباري 5/ 54.
[5] عمدة القاري 12/ 226.
[6] رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب مَن قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين 3/ 1502 (1886).
[7] رواه مسلم في الموضع السابق 3/ 1501 (1885).