أرشيف المقالات

مشاهير الجنة

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
مشاهير الجنة
 
أصفياء الحياة، أخفياء الدنيا، مشاهير الجنة، يَغمُرهم الحبُّ والودّ والبِشر، ويُغلِّفهم الإيمانُ والإحسان والإخلاص، تذكَّرت الذين لِحقوا بربِّهم شهداء وفقراء في ميادين الجهاد والحق، وفي الثوراتِ ضد الظلم والطغيان، في شهداء الكوارث، فجال في خاطري هذا العُنوان الذي بين يديك، وهزَّني الحادث الذي وقع مؤخَّرًا لأخي الداعية الحبيب، والمعلم الطبيب، الذي طالما طبَّب قلوبنا، ووجَّه عقولَنا، وأنار - بفضل الله وتوفيقه - بصائرنا، الحبيب مصطفى يحيى، الذي فقَد أسرته: خديجة (زوجته)، ويحيى (ابنه)، وهاجر (ابنته)، مع ستة آخرين من عائلة الزوجة تحت أنقاض عمارة المعمورة بالإسكندرية، خاصة وهذه الأسرة كانت نشيطةً في مجال الدعوة إلى الله، فنسأل الله تعالى أن يُدخِلهم الجنةَ مع مشاهير الجنة وملوكها، وأن يحشرنا وإياكم معهم أجمعين، ولا شك أن أوَّل مَن يحرِّك حِلَق الجنة، ومَن يُحشَر الناسُ على قدمه يوم القيامة هو محمد -صلى الله عليه وسلم- كما قال - عليه السلام -: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخْر، وأنا أول من تَنشقُّ عنه الأرض ولا فخر، وأنا أول من يُحرِّك حِلقَ الجنة، فأدخلها ويدخلها معي فقراء أمتي))؛ (صحيح)، وكل الأنبياء والمرسلين، ونذكُر من مشاهير الجنة:
امرأة مؤمنة قعدت على أبنائها لتربِّيهم بعد وفاة أبيهم؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا أوَّل مَن يفتح باب الجنة، إلا أن تأتي امرأة تُبادِرني، فأقول لها: ما لك ومَن أنت؟! فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتامٍ لي))؛ رواه أبو يعلى في "مسنده" (4/ 1569-1570) عن عبدالسلام بن عجلان الهجيمي: أخبرنا أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة مرفوعًا.
 
فاطمة بنت محمد:
إذا افتخرتْ بنتٌ بأبيها، فيكفي سيدةَ نِساء العالمين أنها بنت إمام المتقين -صلى الله عليه وسلم- وإذا افتخر مُفتخِر بنَسَبه، فإن سيدة نساء العالمين تفوق بذلك من افتخَر.
 
هي: فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الإمام الذهبي: "سيدة نساء العالمين في زمانها، البُضعة النبويَّة، والجهة المصطفوية.
 
قال له الصحابة: يا رسول الله، قد شَقَّ علينا؛ لم نرك اليوم؟ قال: ((إن مَلَكًا من السماء لم يكن زارني، فاستأذن الله في زيارتي، فأخبرني وبشَّرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة))؛ أخرَجه الطبراني، عن أبي هريرة، المستدرك 151، حلية الأولياء، وقال: ((كنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة، شممت رقبة فاطمة)) وقال: ((فاطمة سيدة نساء أمتي)).
 
قال رسول الله - صلى الله عليه وآله:((كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمُل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وفضْل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائرِ الطعام))؛ مُتَّفق عليه.
 
سعد بن معاذ: رضي الله عنه - من الأنصار الذين تبوؤوا الدار والإيمان، لم يَعِش مُسلمًا غير ستِّ سنوات، ولما مات اهتزَّ لموته عرشُ الرحمن وشيَّعه سبعون ألف مَلَك؛ كما ورد عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - حمل الناس جِنازته، فوجدوا له خِفَّة مع أنه كان رجلاً جسيمًا، فقالوا ذلك للرسول، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن له حملةً غيركم، والذي نفسي بيده لقد استبشرتِ الملائكة برُوح سعد واهتزَّ له عرش الرحمن))، وقال البراء: أُهدي للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثوب حرير، فجعلنا نلمَسه ونتعجَّب منه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتعجَبون مِن هذا؟!))، قلنا: نعم، قال: ((مناديل سعد بن معاذ في الجنة خيرٌ من هذا))؛ (صحيح)، المناديل فقط - مناديل العَرَق - فكيف النعيم؟ كيف الدُّور؟ كيف القصور؟ كيف المنقلَب؟ كيف النظر إلى وجه الباري - سبحانه وتعالى؟! كيف الخِيام؟! كيف الحُور العِين والطعام والشراب واللباس والعِز والمجد والمُلْك الكبير؟
 
خديجة بنت خويلد أم المؤمنين:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: أتى جبريل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك، معها إناء فيه إدام، أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربِّها - عز وجل - ومني، وبشِّرها ببيت في الجنة من قَصَبٍ، لا صَخَب فيه ولا نَصب))؛ صحيح البخاري.
 
وعن عبدالله بن أبي أوفى قال: اعتمَر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واعتمرنا معه، فلما دخل مكة طاف وطُفْنا معه، وأتى الصفا والمروة وأتيناها معه، وكنا نستُره من أهل مكة أن يرميه أحد، فقال له صاحب لي: أكان دخل الكعبة؟ قال: لا، قال: فحدِّثنا ما قال لخديجة، قال: ((بشِّروا خديجة ببيتٍ من الجنة من قَصبٍ، لا صخب فيه ولا نصب))؛ صحيح البخاري.
 
مؤمن آل يس: يقال عنه: حبيب النجار، ذاع صيتُه في الدنيا بعد دخوله الجنة، كان داعيًا أمينًا في قومه، صدَع بالحق؛ إظهارًا للثبات على الدين، وعدم المبالاة بما يَصدُر عن المتعنّتين، وإن إضافة الرب إلى ضمير المخاطبين في: ﴿ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾ [يس: 25]؛ لتحقيق الحقِّ والتنبيه على بُطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أربابًا؛ أي: إني آمنت بربكم الذي خلقكم (فَاسْمَعُونِ)؛ أي: فاسمعوا قولي واقبَلوه؛ فإني لا أُبالي بما يكون منكم بعد ذلك، لقد كان هذا الداعي الأمين قوي الحُجة، ساطِع البرهان، صادق اللهجة، ثابت الجَنان، عظيم الرغبة في الخير لنفسه وللناس، اعتصَم بحبل الله، وأخلَص العمل لله، وثابَر في الدعوة إلى الله حتى حظي بالشهادة، ونال الكرامة، وفاز بالرِّضوان، وفرِح بلقاء ربِّه.
 
وجاءته البشرى، واستقبَلته ملائكة الرحمة، ووجد دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، لقد كان رحيمًا بالناس فرحِمه رب الناس: ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ [يس: 26]، فلما شاهَدها، ﴿ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس: 26، 27].
 
فتمنَّى أن يعلَموا بحاله؛ ليَعلموا حُسْن مآله، وحميدَ عاقبته؛ ليؤمنوا مِثل إيمانه، فيَصيروا إلى مِثل حاله، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "نَصَح قومه في حياته بقوله: ﴿ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ [يس: 20]، وبعد مماته بقوله: ﴿ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾؛ رواه ابن أبي حاتم.
 
زوجة فرعون آسية بنت مزاحم:
نشأت ملكةً في القصور، واعتادت حياة الملوك، ورأت بطش القوة، وجبروت السلطان، وطاعة الأتباع والرعيَّة، غير أن الإيمان أضاء فؤادها، ونوَّر بصيرتها، فسئمتْ حياة الضلال، واستظلَّت بظِلال الإيمان، ودعتْ ربَّها أن يُنقِذها من هذه الحياة، فاستجاب ربُّها دعاءها، وجعلها مَثَلاً للذين آمنوا، فقال: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]، وقال رسول الله: ((أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران))؛ صحيح.
 
كانت نموذجًا خلَّده القرآن للمؤمنة الصادقة مع ربها، فهي امرأة فرعون، إنها - آسية بنت مزاحم - عندما عرفتْ طريقَ الحق، اتَّبعتْه دون خوفٍ من الباطل، وظلْمِ أهله، فلقد آمنت بالله إيمانًا لا يتزعزع ولا يَلين، ولم تُفلِح تهديداتُ فرعون ولا وعيده في ثَنْيها عن إيمانها، أو إبعادها عن طريق الحق والهدى، لقد تاجرتْ مع الله، فربِحت تِجارتُها، باعت الجاه والقصور والخَدَم، بثمن غالٍ؛ ببيتٍ في الجنة.
 
شهداء المسلمين: وعلى رأسهم حمزة عم النبي - عليه الصلاة والسلام - الذي مُثِّل به وهو الشجاع المِقدام، الذي وقف في وجه الباطلِ من أول لحظة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، ورجل قام إلى إمامٍ جائرٍ، فأمره ونهاه فقتله))؛ الطبراني.
 
((الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يَخرج عليهم رزقهم من الجنة بُكرة وعشيًّا))، ((إن أرواح الشهداء في طائر خُضْر تعلق من ثَمَر الجنة))، أو ((نسمة تعلق في ثَمَر الجنة أو شجر الجنة))، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169]، ((أرواحهم في طير خُضرٍ تَسرَح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديلَ معلَّقة بالعرش، فاطَّلع إليهم ربك اطلاعةً، فقال: هل تستزيدون شيئًا فأزيدكم؟ قالوا: ربنا وما نَستزيد ونحن في الجنة نسرَح حيث شئنا؟ ثم اطَّلع إليهم الثانية، فقال: هل تستزيدون شيئًا فأزيدكم؟ فلما رأوا أنهم لم يُترَكوا، قالوا: تُعيدُ أرواحَنا في أجسادنا؛ حتى نرجع إلى الدنيا، فنُقتَل في سبيلك مرة أخرى))، و((يؤتى بالشهيد من أهل الجنة، فيقول له الله - عز وجل -: يا بن آدم، كيف وجدتَ منزلَك؟ فيقول: أي ربِّ خيرَ منزلٍ، فيقول: سَلْ وتَمنَّ، فيقول: أسألك أن تُردَّني إلى الدنيا، فأُقتل في سبيلك عشر مرات؛ لِما يرى من فضْل الشهادة))، و((ما من أحد يدخل الجنةَ يحب أن يَرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء، غير الشهيد، فإنه يتمنَّى أن يرجع فيُقتَل عشرَ مراتٍ؛ لما يرى من الكرامة)).
 
الصديقون: قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ [الحديد: 19].
 
قال ابن كثير - رحمه الله -: "ولا شكَّ أن الصِّديق أعلى مَقامًا من الشهيد؛ كما رواه مالك عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغُرفِ من فوقهم؛ كما تتراءون الكوكبَ الدريَّ الغابِر في الأُفُق من المشرق أو المغرب؛ لتَفاضُلِ ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلُغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرسَلين))؛ ا.
هـ، والحديث رواه الشيخان أيضًا.
 
أطفال المسلمين الذين يموتون صِغارًا (عصافير الجنة): عن عائشة أم المؤمنين، قالت: "دُعِي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنازة صبيٍّ من الأنصار، فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا؛ عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يُدرِكه، قال: ((أوَ غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خَلَق للجنة أهلاً، خَلَقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلَق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم))؛ وأخرَج هذا الوجهَ الإمامُ أحمد، وأبو داود، والنَّسائي في المجتبى، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه.
 
الفقراء والمهاجرون: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تَدرون من أول من يدخلُ الجنةَ مِن خلْق الله؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: ((أول مَن يدخل الجنةَ مِن خلْق الله الفقراءُ والمهاجرون الذين تُسَد بهم الثغور، وتُتَّقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاءً، فيقول الله لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيُّوهم، فتقول الملائكة: ربنا، نحن سكان سمواتك، وخِيرتك مِن خلْقك، أفتأمُرنا أن نأتي هؤلاء فنُسلِّم عليهم؟! قال: إنهم كانوا عبادًا لي، يعبدوني لا يُشرِكون بي شيئًا، وتُسَد بهم الثغور، وتُتَّقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، قال: فتأتيهم الملائكةُ عند ذلك، فيَدخلون عليهم من كل باب ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24]))، عن عبدالله بن عمرو؛ صحَّحه الألباني، صحيح الموارد: 2175.
 
اللهم أدخلنا الجنة ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢