عنوان الفتوى : حكم هجر الرجل أهله لسوء معاملتهم له
تعبت من الدنيا، وكرهت حالي وأحس أن العالم ضدي، وأنا أحب الناس جميعا وأصلي وأزكي وأساعد الفقراء والمساكين، وغايتي سعادة من حولي، وأرضي زوجاتي وأمي وإخوتي وأولادي على حساب مصلحتي، لكنني إن فعلت أي شيء لا يخدم أحدهم أو مصلحتهم انقلبوا علي كلهم يريدونني أن أكون الولد السميع المطيع، وحتى زوجتي الثانية التي أحبها من أعماق قلبي صارت مثلهم تريد مصلحتها فقط، وهذا ما يؤلمني فأنا الأصغر في عائلتي وأنا القيم عليهم، وبعد ثعتر مشاريعي وأعمالي أصبح كل واحد منهم يريد أن يتحكم في، ولا أحد فيهم يريد أن يساعدني ماديا أو معنويا ويضحكون معي، وعندما أغادر أكون موضوع نقاشهم، كرهتهم وكرهت حالي، وأريد أن أهجرهم كلهم وأذهب ولا أعود لهم أبداً، وحينما أفكر في أولادي أتراجع، دعوت الله في صلواتي، وقمت الليل لكي يفرج عني، ولكنه لم يستجب لي لحكمة يعلمها هو سبحانه، وعندما يأتيني أحد الفقراء أو المساكين الذين كنت أساعدهم أو من وعدته بحل مشكلته من قبل، ولا أجد ما أعطيه وأعجز عن الوفاء بوعدي أخجل من نفسي، وأتمنى لو أن الأرض ابتلعتني، ادعوا لي الله أن يفرج عني، ويذهب همي، وييسر أمري وانصحوني، فماذا أفعل والشيطان اللعين يوسوس لي بأفعال لا يرضاها ربي؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسن السائل في لجوئه إلى الله، واستعانته بالصلاة والدعاء وقيام الليل، ونرجو الله أن يستجيب دعاءه وتحل مشاكله وتيسر أموره، وأما عن تعامل أهله المذكور: فننصحه بالصبر وعدم هجرهم واعتزالهم، وأن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين العافين عن الناس، ويفوز بمعية الله وعونه، كما قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {آل عمران:133}. وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40}. وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {النــور:22}. وقال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}. وقال تعالى: وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {النحل:126}. وقال تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا {المزمل:10}. وقال تعالى: وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {التغابن:14}. وقال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35}.
وفي صحيح مسلم: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك.
وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
وفي سنن الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا كان مخالطاً للناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم. وصححه الألباني.
وفي سنن ابن ماجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظه وهو يقدر على أن ينتصر دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق حتى يخيره في حور العين أيتهن شاء. وحسنه الألباني.
والله أعلم.