عنوان الفتوى : حكم من تسبب في قتل إنسان برميه إياه باللواط أو مقدماته
عندي مرض نفسي، حيث لا اْرتاح إلا واْنا أدخل في عرض الشباب الوسيم, فاْنا قبيح الشكل، واْي شخص يكون جاري أو صديقي أو يصلي في المسجد، وشكله يعجب الناس والنساء أتهمه في عرضه، وأقول عليه إنه لوطي، وتارة أقول عليه إني رأيته يقبل شابا أو طفلا حتى يبتعد عنه الناس، وأكسب أنا حب نساء المنطقة. علما بأني أعيش في منطقة بعيدة عن الأمن، خصوصا في هذه الصراعات, وأتصنع التدين حتى يصدقني الناس، ولا أريد أحدا أن يأخذ حب الفتيات مني لأني قبيح، لكن الموضوع خرج عن السيطرة، وأهله يريدون قتله بحجه تطبيق حد الله عليه - القتل المذكور في حديث الفاعل والمفعول به -، لأني قلت عليه ذلك، وانتشر ذلك بين الناس بسرعة، والكل صدقني، لأنه يعيش وحده وهو غريب علينا، وقد هرب هذا الشاب من المنطقة بسبب ما قلته عليه وخوفا من أهله، رغم أني كاذب، ويعلم الله أنه طاهر من الذنب، فهل إذا قتل أكون شريكا في القتل بيني وبين الله؟ وهل ما فعلته بالقذف بمقدمات اللواط يقاس على القذف باللواط نفسه؟ وكيف أتوب وأصلح إفسادي؟ وهل أحاسب على أفكاري التي أريد فعلها؟ فأنا أريد أن أفعل ذلك، ولكن بطريقة جديدة مع بعض الشباب الآخرين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ارتكبت جرما عظيما بخوضك في عرض رجل بريء، وتجب عليك التوبة النصوح فورا، ومن شروط صحة توبتك استحلال هذا الشخص مما قذفته به إن كان قد علم، وأن تكذب نفسك، وتنشر براءته قدر استطاعتك، كما نشرت ما أشعت من قذف وكذب وافتراء، وانظر الفتوى رقم: 111563 ، كما أن اصطناع التدين مراءاة للناس ذنب آخر عظيم يستوجب التوبة، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 13997 - 45693 - 57643.
وليكن همك في حياتك هو السعي لإرضاء الله جل وعلا ونيل محبته، فلا فلاح للعبد إلا بذلك، ثم إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، فمحبة العباد للشخص وقبولهم له إنما هي بإذن الله سبحانه، وإن من أعظم الوسائل التي تجعل العبد محبوبا عند الناس قيامه بالأعمال الصالحة التي يحب الله تعالى من قام بها ويحببه إلى عباده، وانظر الفتوى رقم: 76182 ، وأما الخوض في أعراض الناس وقذفهم بالباطل، فما أجدرها من ذنوب تستجلب غضب الخالق وكراهية الخلق.
ومجرد الإخبار عن شخص بأنه يقبل شابا أو طفلا لا يأخذ حكم القذف، لكن إن كنت تقصد التعريض بكونه لوطيا فهذا يأخذ حكم القذف، وانظر الفتوى رقم: 136353.
وأما الحد فلا يقيمه إلا أولو الأمر وليس موكولا إلى آحاد الناس، وانظر الفتويين: 29819 - 224767 وما أحيل عليه فيهما، علما بأن حد اللوطي فيه خلاف سبق ذكره في الفتوى رقم: 1869 ، وإن قتل هذا الشاب ظلما - لا قدر الله أو أصابه أذى بسبب ما بهته به - فعليك نصيب من الإثم؛ لتسببك في قتله بوجه ما، قال ابن حجر في فتح الباري في شرحه لباب قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُعَذَّب الْمَيِّت بِبَعْضِ بُكَاء أَهْله إِذَا كَانَ النَّوْح مِنْ سُنَّته، قال: وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُصَنِّف بِهَذَا الْحَدِيث الرَّدّ عَلَى مَنْ يَقُول إِنَّ الْإِنْسَان لَا يُعَذَّب إِلَّا بِذَنْبٍ بَاشَرَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّن أَنَّهُ قَدْ يُعَذَّب بِفِعْلِ غَيْره إِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ تَسَبُّب.
ونحذرك من العودة إلى نحو ذلك، ولتعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به. ليس على إطلاقه، بل هو فيمن لم يوطن نفسه على المعصية، وإنما مرت بِفكره من غير استقرار، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 211756 - 133593 - 80476 وما أحيل عليه فيها.
ثم إن سؤالك هذا تظهر منه رائحة الحسد للشباب الوسيم، والحسد إنما هو ثمرة من ثمرات ضعف اليقين وقلة الرضا بقضاء الله سبحانه، ولو استقر في قلبك اليقين بأن الأمور كلها بيد الله، وأن أفعاله سبحانه كلها بعلم محيط وحكمة بالغة، وأن قضاءه دائما لعبده المؤمن هو الخير ـ وإن ظهر في صورة الشر ـ وهو العطاء - وإن ظهر في صورة الحرمان -
لو استقرت هذه المعاني في قلبك لما استزلك الشيطان إلى هذا الحسد، وانظر الفتوى رقم: 114953 وإحالاتها، وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن علية رفعه: ثلاث لا يسلم منها أحد: الطيرة والظن والحسد، قيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ، والحديث وإن كان في سنده مقال، فقد ذكر ابن حجر في الفتح أن له شاهداً يقويه، وعليه؛ فننصحك بمجاهدة نفسك، والحذر من العمل بموجب هذا الشعور من البغي على خلق الله.
والله أعلم.