الصائم إذا جامع في يومين أو كرره في يوم ولم يكفر فكفارة واحدة في الثانية وفي الأولى اثنتان
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
الصَائِم إذا جامَعَ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ كَرَّرَهُ فِي يَوْمٍ، وَلَمْ يُكَفِّرْ، فَكَفَّارَةٌ واحِدَةٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي الْأُولَى اثْنَتانِ قَالَ الْمُصَنِّفُ –رَحِمَهُ اللهُ-: "وَإِنْ جامَعَ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ كَرَّرَهُ فِي يَوْمٍ، وَلَمْ يُكَفِّرْ، فَكَفَّارَةٌ واحِدَةٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي الْأُولَى اثْنَتانِ، وَإِنْ جامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جامَعَ فِي يَوْمِهِ، فَكَفَّارَةٌ ثانِيَةٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْساكُ إِذَا جامَعَ.
وَمَنْ جامَعَ وَهُوَ مُعافًى ثُمَّ مَرِضَ أَوْ جُنَّ أَوْ سافَرَ لَمْ تَسْقُطْ".
الْكَلامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سَيَكونُ فِي فُروعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: (وَإِنْ جامَعَ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ كَرَّرَهُ فِي يَوْمٍ، وَلَمْ يُكَفِّرْ، فَكَفَّارَةٌ واحِدَةٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي الْأُولَى اثْنَتانِ).
فِي هَذَا الْفَرْعِ مَسْأَلَتانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأَولَى: إِذَا جامَعَ فِي يَوْمَيْنِ:
وَهَذَا لَهُ حَالَانِ:
الْحَالُ الْأُولَى: أَنْ يُكَفِّرَ عَنِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَطَأُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثانِيَةٌ بِغَيْرِ خِلافٍ.
الْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَلَّا يُكَفِّرَ عَنِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَطَأُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَهَذَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ثانِيَةٌ، كَمَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ –رَحِمَهُ اللهُ-.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ثانِيَةٌ، وَإِنْ جامَعَ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فَثَلاثُ كَفَّاراتٍ، وَهَكَذَا.
وَهَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهورِ[1].
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ واحِدَةٌ إِذَا لَمْ يُكَفِّرْ.
قَالُوا: لِأَنَّ الْكَفَّاراتِ تَتَداخَلُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ جامَعَ فِي يَوْمٍ واحِدٍ، ثُمَّ جامَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ واحِدَةٌ.
وَقَالُوا أَيْضًا: كَمَا لَوْ تَعَدَّدَتِ الْأَيْمانُ -وَهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ- وَاخْتَلَفَ الْمَحْلوفُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُكَفِّرْ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ واحِدَةٌ.
وَدَليلُهُمْ هُوَ الْقِيَاسُ، فَهُمْ يَقولونَ: كَمَا أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ الْمَحْلوفُ عَلَيْهِ وَتَعَدَّدَتِ الْأَيْمانُ وَلَـمْ يُكَفِّرْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ واحِدَةٌ، فَكَذَلِكَ هُنَا إِذَا جامَعَ وَلَـمْ يُكَفِّرْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ واحِدَةٌ، فَمُسَبِّبُ وُجوبِ الْكَفَّاراتِ واحِدٌ وَهُوَ الْجِماعُ.
وَلِمَا فِيهِ أَيْضًا مِنَ الْمَشَقَّةِ الْعَظيمَةِ؛ فَإِنَّهُ –مَثَلًا- لَوْ جامَعَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ أَنْ يَصومَ ثَمانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَهَذَا فِيهِ مَشَقَّةٌ واضِحَةٌ، وَاللهُ تَعَالَى قَالَ فِي آخِرِ آياتِ الصِّيَامِ: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].
وَهَذَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبي حَنيفَةَ[2].
وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ عُثَيْمِينَ –رَحِمَهُ اللهُ-: "وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كانَ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ وَالْقُوَّةِ، لَكِنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْفَتْوَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُفْتِيَ بِهِ لَانْتَهَكَ النَّاسُ حُرُماتِ الشَّهْرِ كُلِّهِ"[3].
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا جامَعَ فِي يَوْمٍ واحِدٍ مَرَّتَيْنِ:
وَهَذَا أَيْضًا لَهُ حَالَانِ:
الْحَالُ الْأُولَى: إِنْ كَفَّرَ عَنِ الْأُولَى لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ ثانِيَةٌ.
وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ.
وَهُناكَ خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ثانِيَةٌ.
وَهَذَا كَمَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ[4].
قَالُوا: لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ وَتَكَرَّرَ، فَتَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ كَرَّرَ الْمَحْظورَ فِي الْحَجِّ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ واحِدَةٌ.
وَهَذَا قَوْلُ جُمْهورِ الْعُلَماءِ[5].
الْحَالُ الثَّانِيَةُ:إِذَا لَـمْ يُكَفِّرْ عَنِ الْأُولَى أَجْزَأَهُ كَفَّارَةٌ واحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي هَتَكَ حُرْمَتَهُ هُوَ يَوْمٌ واحِدٌ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ واحِدَةٌ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: "بِغَيْرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ"[6].
الْفَرْعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (فَإِنْ جامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ فِي يَوْمِهِ، فَكَفَّارَةٌ ثانِيَةٌ).
وَهَذَا الْفَرْعُ فِيهِ مَسْأَلَتانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَنْ جامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جامَعَ فِي يَوْمِهِ:
اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فْي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ جَديدَةٌ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ[7].
الْقَوْلُ الثَّانِي: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْجِماعِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهورِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[8].
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْساكُ إِذَا جامَعَ).
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُلَهَا صُوَرٌ مِنْهَا:
1) إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِرُؤْيَةِ الْهِلالِ إِلَّا بَعْدَ طُلوعِ الْفَجْرِ.
2) أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ.
3) أَوْ أَكَلَ عَمْدًا.
4) أَوْ كانَ صائِمًا ثُمَّ أَفْطَرَ بِالْجِماعِ؛ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، فَلَوْ جامَعَ مَرَّةً أُخْرَى نَقولُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثانِيَةٌ.
5) الْمُسافِرُ إِذَا قَدِمَ إِلَى بَلَدِهِ.
6) الْحَائِضُ وَالنُّفَساءُ إِذَا طَهُرَتَا.
7) الصَّبِيُّ إِذَا بَلَغَ.
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَإِذَا قُلْنَا بِوُجوبِ الْإِمْساكِ عَلَى هَؤُلاءِ فَوَقَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْجِماعِ؛ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ.
هَذَا مَا أَشارَ إِلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: (وَمَنْ جامَعَ وَهُوَ مُعافًى ثُمَّ مَرِضَ أَوْ جُنَّ أَوْ سافَرَ لَمْ تَسْقُطْ).
وَالْمَقْصودُ أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا جامَعَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ يُبيحُ الْفِطْرَ؛ كَسَفَرٍ، أَوْ جُنونٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ جامَعَ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عُذْرٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِاسْتِقْرارِهَا فِي ذِمَّتِهِ.
وَهذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ.
وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وُجوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهورِ الْعُلَماءِ مِنَ الْمالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ[9].
الْقَوْلُ الثَّانِي: سُقوطُ الْكَفَّارَةِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[10].
[1] انظر: المدونة (1/ 285)، والمجموع، للنووي (6/ 337)، والإنصاف، للمرداوي (3/ 319).
[2] انظر: بدائع الصنائع (2/ 101)، والإنصاف، للمرداوي (3/ 319).
[3] الشرح الممتع (6/ 407).
[4] انظر: الإنصاف، للمرداوي (3/ 320).
[5] انظر: الجوهرة النيرة (1/ 141)، والمدونة (1/ 285)، والمجموع، للنووي (6/ 337).
[6] المغني، لابن قدامة (3/ 144).
[7] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 144).
[8] انظر: الجوهرة النيرة (1/ 141)، والمدونة (1/ 285)، والمجموع، للنووي (6/ 337).
[9] انظر: المدونة (1/ 285)، والمجموع، للنووي (6/ 338)، والمغني، لابن قدامة (3/ 139).
[10] انظر: التجريد، للقدوري (3/ 1569)، والمجموع، للنووي (6/ 338).