عنوان الفتوى : خلاصة ما ذكره العلماء في أثر الرياء على العمل الصالح
-رجل أتى بأصل الإيمان وكان يرائي ببعض الأعمال .هل يدخل الجنة ابتداءا أم لا؟
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد ذم الرياء في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: (فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون*الذين هم يراءون)[الماعون:4-6] وقوله: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)[الكهف:110] وقوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه" رواه مسلم، ورواه ابن ماجه بلفظ: "فأنا منه بريء وهو للذي أشرك". وأما أثر الرياء على العمل ففيه تفصيل، ذكره الإمام ابن رجب الجنبلي وغيره ونحن نذكر كلام ابن رجب بشيء من الاختصار.
قال رحمه الله: واعلم أن العمل لغير الله أقسام: 1-فتارة يكون الرياء محضاً بحيث لا يراد به سوى مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي، كحال المنافقين في صلاتهم، كما قال الله عز وجل: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج، وغيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
وتارة يكون العمل لله، ويشاركه الرياء:
فإن شاركه في أصله، فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه وحبوطه أيضاً. كالحديث السابق: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك" وأخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد بن أبي فضالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله عز وجل، فليطلب ثوابه من عند غير الله عز وجل، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك" وخرج النسائي بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له" فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له" ثم قال "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغي به وجهه". ولا نعرف عن السلف في هذا خلافاً، وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين.
-وأما إن كان أصل العمل لله، ثم طرأت عليه نية الرياء، فإن كان خاطراً دفعه، فلا يضره بغير خلاف، وإن استرسل معه، فهل يحبط به عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، ورجحا أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن البصري وغيره.
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم، فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية.
فأما إذا عمل العمل لله خالصاً، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك، ففرح بفضل الله ورحمته، واستبشر بذلك، لم يضره ذلك، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" خرجه مسلم.
قال ابن رجب رحمه الله: وبالجملة؛ فما أحسن قول سهل بن عبد الله التستري: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب. وقال يوسف بن الحسين الرازي: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لون آخر. فهذا حاصل ما ذكره العلماء في أثر الرياء على العمل.
وعليه، فمن أتى بأصل الإيمان ودخل الرياء على بعض أعماله، فقد يؤدي إلى حبوط هذه الأعمال على نحو ما سبق، فيكون تاركاً للواجب وفاعلاً للحرام، بل الرياء من الشرك الأصغر، ومن كانت هذه حاله، ومات دون توبة فأمره إلى الله تعالى، إن شاء غفر له وأدخله الجنة ابتداء، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم أدخله الجنة، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة في سائر أهل المعاصي والكبائر إذا سلموا من الكفر الأكبر.
والله أعلم.