عنوان الفتوى : حكم اشتراك جماعة في نفقتهم وتمييز بعضهم عن بعض في نوعية الطعام

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

عندنا نظام في العمل بجمع إعاشة للأكل والشرب، حيث يجمع من كل شخص مبلغ محدد من المال ، وهذا المبلغ مخصص لأكلنا وشربنا، فما حكم هذا العمل؟ وما حكم أن يكون أكل المسؤولين وشربهم بجودة عالية والموظف العادي يعطونه أكلا بجودة أقل، مع العلم أن الإعاشة واحدة؟.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه يجوز شرعا أن يشترك الجماعة في نفقتهم، ومما استدل به على ذلك قوله تعالى: وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا {الكهف:19}.

جاء في تفسير القرطبي: قال ابن خويز منداد: تضمنت هذه الآية جواز الشركة، لأن الورق كان لجميعهم، وتضمنت جواز الوكالة، لأنهم بعثوا من وكلوه بالشراء، وتضمنت جواز أكل الرفقاء وخلطهم طعامهم معا، وإن كان بعضهم أكثر أكلا من الآخر، ومثله قوله تعالى: وإن تخالطوهم فإخوانكم ـ ولهذا قال أصحابنا في المسكين يتصدق عليه فيخلطه بطعام لغني ثم يأكل معه: إن ذلك جائز، وقد قالوا في المضارب يخلط طعامه بطعام غيره ثم يأكل معه: إن ذلك جائز. اهـ.

وقد بوب البخاري في صحيحه: باب الشركة في الطعام والنهد والعروض وكيف قسمة ما يكال ويوزن مجازفة أو قبضة قبضة، لما لم ير المسلمون في النهد بأسا أن يأكل هذا بعضا وهذا بعضا، وكذلك مجازفة الذهب والفضة والقران في التمر ـ وذكر تحته أربعة أحديث:

حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل، فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاث مائة، وأنا فيهم، فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله، فكان مزودي تمر، فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني.

وحديث سلمة ـ رضي الله عنه ـ قال: خفت أزواد القوم، وأملقوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم، فأذن لهم، فلقيهم عمر، فأخبروه فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما بقاؤهم بعد إبلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناد في الناس، فيأتون بفضل أزوادهم، فبسط لذلك نطع، وجعلوه على النطع، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا وبرك عليه، ثم دعاهم بأوعيتهم، فاحتثى الناس حتى فرغوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله.

وحديث رافع بن خديج ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فننحر جزورا، فتقسم عشر قسم، فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغرب الشمس.

وحديث أبي موسى، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم.

جاء في فتح الباري لابن حجر: وأما النهد: فهو بكسر النون وبفتحها إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة، يقال تناهدوا وناهد بعضهم بعضا، قاله الأزهري، وقال الجوهري نحوه، لكن قال على قدر نفقة صاحبه، ونحوه لابن فارس وقال ابن سيده: النهد العون، وطرح نهده مع القوم أعانهم وخارجهم، وذلك يكون في الطعام والشراب، وقيل فذكر قول الأزهري، وقال عياض مثل قول الأزهري إلا أنه قيده بالسفر والخلط ولم يقيده بالعدد، وقال ابن التين: قال جماعة هو النفقة بالسوية في السفر وغيره، والذي يظهر أن أصله في السفر وقد تتفق رفقة فيضعونه في الحضر كما سيأتي في آخر الباب من فعل الأشعريين، وأنه لا يتقيد بالتسوية إلا في القسمة، وأما في الأكل فلا تسوية، لاختلاف حال الآكلين وأحاديث الباب تشهد لكل ذلك، وقال ابن الأثير هو ما تخرجه الرفقة عند المناهدة إلى الغزو وهو أن يقتسموا نفقتهم بينهم بالسوية حتى لا يكون لأحدهم على الآخر فضل، فزاده قيدا آخر وهو سفر الغزو، والمعروف أنه خلط الزاد في السفر مطلقا، وقد أشار إلى ذلك المصنف في الترجمة، حيث قال، يأكل هذا بعضا وهذا بعضا، قوله لما لم تر المسلمون بالنهد بأسا هو بكسر اللام وتخفيف الميم وكأنه أشار إلى أحاديث الباب، وقد ورد الترغيب في ذلك، وروى أبو عبيد في الغريب عن الحسن قال: أخرجوا نهدكم فإنه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم .اهـ باختصار.

والأصل هو تساوي الشركاء في الطعام المشترى، وأما تخصيص بعض الشركاء بطعام أجود من مبلغ الشركة فجوزاه موقوف على إذن البقية، فإن أذنوا فيه فهو هبة وتبرع منهم، وإن لم يأذنوا بذلك  فلا يجوز، لأنه أكل لمالهم بالباطل وراجع للفائدة الفتويين رقم: 49938، ورقم: 109543.

والله أعلم.