عنوان الفتوى : بعض الأدلة على نجاسة الخمر
قبل مدة أصبت بوسواس الشك في الدين، والردة، وشفيت -والحمد لله- وقبل مدة كنت أبحث عن: هل الخمر نجسة أم لا؟ فوجدت عدة أحاديث لم أفهم بعضها، وأصبح الشيطان يشككني في الدين، وفي الحديث -أي حديث أنها ليست نجسة- لما أراق المسلمون الخمر، أراقوها في طرقات المدينة. والثاني أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الرجل الذي كسر وعاء الخمر أن يغسل ثوبه؛ لما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم الخمر. والحديث الثالث معناه أنه أمر الصحابة بغسل آنية الكفار قبل الأكل فيها، فهل هذا دليل على أن الخمر نجسة؛ لأنه أمرهم بغسلها؟ فهل أمره بغسلها لأنه يمكن أن يكون وضع فيها خمر، أو نجس، أو لسبب آخر؟ أتمنى شرح الحديث؛ لأن الوساوس، والشكوك لم تتركني، فالرسول صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين لا يقول إلا الحق، فأتمنى أن توضحوا لي قصده صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الثلاثة؛ لأني الآن لم أعرف هل هي نجسة أم لا؟ فقد اختلف عليّ فهم الأحاديث؛ لكي يبتعد هذا الوسواس، والشك عني، وقد أصبحت حزينة؛ لأني خفت أن يكون عدم فهم الحديث شكًّا في الدين، فهل هو كذلك؟ وأنا موسوسة، وأخاف أن يقودني هذا الوسواس إلى كره الدين، أو الشك فيه، فأرجو منكم مساعدتي؛ لأني في هم لا يعلم به إلا الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما الوساوس فعلاجها هو الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، فكلما عرضت لك هذه الوساوس، فينبغي مدافعتها، وتجاهلها حتى يمن الله عليك بالعافية؛ ولتنظر الفتوى رقم: 147101 وما فيها من إحالات.
وأما المسألة المطروحة فهي مسألة اجتهادية، والأمر فيها سهل قريب، وهو لا يستوجب شكًّا، ولا حيرة، بل إذا اشتبهت عليك المسألة، فلم يتبين لك حكم الله فيها؛ فإنك تقلدين من تثقين به من أهل العلم، وتعملين بقوله؛ ولتنظري الفتوى رقم: 120640 فيما يفعله العامي إذا اختلفت عليه الفتوى، والمفتى به عندنا هو نجاسة الخمر.
ومن جملة ما يستدل به الحديث المشار إليه، وهو أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل آنية الكفار قبل استعمالها؛ لكونهم يأكلون فيها الخنزير، ويشربون فيها الخمر.
وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة الخمر، وعدم أمره بغسل ما يصيب البدن، والثوب منها: فيجاب عنه من جهة القائلين بالنجاسة، بأن علمهم بنجاستها كاف في تحرزهم منها، وغسل ما يصيبهم؛ لما استقر عندهم من العلم بوجوب إزالة النجاسة.
قال الشنقيطي -رحمه الله-: وَاعْلَمْ أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ سَعِيدُ بْنُ الْحَدَّادِ الْقَرَوِيُّ عَلَى طَهَارَةِ عَيْنِ الْخَمْرِ، بِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَرَاقُوهَا فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ; وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ; وَلَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا نَهَاهُمْ عَنِ التَّخَلِّي فِي الطُّرُقِ، لَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ، فَإِنَّهَا لَا تَعُمُّ الطُّرُقَ، بَلْ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ وَاسِعَةً، وَلَمْ تَكُنِ الْخَمْرُ كَثِيرَةً جِدًّا بِحَيْثُ تَكُونُ نَهَرًا، أَوْ سَيْلًا فِي الطُّرُقِ يَعُمُّهَا كُلَّهَا، وَإِنَّمَا أُرِيقَتْ فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهَا، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. انتهى.
والمسألة كما ذكرنا من مسائل الاجتهاد، كغيرها من مسائل الخلاف التي تتعارض فيها النصوص ظاهرًا، ويجمع بينها أهل العلم بما يظهر لكل واحد منهم من وجوه الجمع، فلا يوجب ذلك وسوسة، ولا حيرة، واضطرابًا.
والله أعلم.