عنوان الفتوى : إذا اختلفت الفتوى على العامي فبقول من يأخذ
أنا إنسان مسلم، هل يجوز لي أن أختار من المذاهب الأربعة ما يكون أيسر لي في أمور العبادة، وخاصة أني لا أتبع مذهبا معينا من الأربعة، فمثلا النحنحة في الصلاة عند أحمد لا تبطلها وكان يعمل بها، وهذا النص من فقه السنة للسيد أحمد سابق جزاه الله خيرا، ومالك لا يجيز وتبطل عنده، فأنا صليت وتنحنحت وأخذت بالكلام الموجود عند السيد سابق. فهل أعيد الصلاة أم لا؟ أم أمشي مع ما هو أيسر لي؟ وشكرا. أم هل يجوز لي أن أختار من المذاهب الأربعة ما يوافقني خاصة أني نشأت في عائلة مسلمة ولا تتبع أي مذهب محدد، ونحن من السنة. والحمد لله وجزاكم الله خيرا. و أشكركم على إجابة أسئلتي من قبل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجب على المسلم في الأصل أن يتبع ما دل عليه الكتاب أو السنة، سواء في ذلك العبادات وغيرها لقول الله تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {الأعراف:3}.
أما المقلد الذي لا قدرة له على فهم الأدلة والموازنة بينها ففرضه سؤال من يثق في علمه ودينه من العلماء، لقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:43}، فإن اختلف عليه قول المفتين فقد تعددت أقوال العلماء فيما يصنع.
جاء في مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (4 / 580):
"وَإِنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ" أَيْ: عَلَى الْعَامِّيِّ "مُجْتَهِدَانِ" بِأَنْ أَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِحُكْمٍ، وَالآخَرُ بِغَيْرِهِ "تَخَيَّر" فِي الأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمَجْدُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الطَّلاقِ؟ فَقَالَ: إنْ فَعَلَ حَنِثَ، فَقَالَ السَّائِلُ: إنْ أَفْتَانِي إنْسَانٌ أَنْ لا أَحْنَثَ. قَالَ: تَعْرِفُ حَلْقَةَ الْمَدَنِيِّين؟ قُلْت: فَإِنْ أَفْتَوْنِي حَلَّ. قَالَ: نَعَمْ.
وَقِيلَ. يَأْخُذُ بِقَوْلِ الأَفْضَلِ عِلْمًا وَدِينًا. فَإِنْ اسْتَوَيَا تَخَيَّرَ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُوَفَّقِ فِي الرَّوْضَةِ. وَقِيلَ: يَأْخُذُ بِالأَغْلَظِ وَالأَثْقَلِ مِنْ قَوْلَيْهِمَا. وَقِيلَ: بِالأَخَفِّ. وَقِيلَ: بِالأَرْجَحِ دَلِيلاً. وَقِيلَ: يَسْأَلُ ثَالِثًا. انتهى
وجاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ إِذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ فَتْوَى عُلَمَاءِ عَصْرِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ يَأْخُذُ بِأَيِّهَا شَاءَ. قَال الشَّوْكَانِيُّ : وَاسْتَدَلُّوا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى عَدَمِ إِنْكَارِ الْعَمَل بِقَوْل الْمَفْضُول مَعَ وُجُودِ الأَْفْضَل .
وَقِيل : لَيْسَ هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ ، بَل لاَ بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ . وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ . ثُمَّ قَدْ قِيل : يَأْخُذُ بِالأَْغْلَظِ ، وَقِيل : بِالأَْخَفِّ ، وَقِيل : بِقَوْل الأَْعْلَمِ . وَقَال الْغَزَالِيُّ : يَأْخُذُ بِقَوْل أَفْضَلِهِمْ عِنْدَهُ وَأَغْلَبِهِمْ صَوَابًا فِي قَلْبِهِ .
وَقَدْ أَيَّدَ الشَّاطِبِيُّ الْقَوْل الثَّانِيَ مِنْ أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَيْسَ عَلَى التَّخْيِيرِ . قَال: لَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِي الْخِلاَفِ ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُفْتِينَ مُتَّبِعٌ لِدَلِيلٍ عِنْدَهُ يَقْتَضِي ضِدَّ مَا يَقْتَضِيهِ دَلِيل صَاحِبِهِ، فَهُمَا صَاحِبَا دَلِيلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ . فَاتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا بِالْهَوَى اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى . فَلَيْسَ إِلاَّ التَّرْجِيحُ بِالأَْعْلَمِيَّةِ وَنَحْوِهَا . فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّرْجِيحُ ، أَوِ التَّوَقُّفُ ، فَكَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ . وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَتَبُّعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ انتهى.
والمفتى به عندنا أنه يعمل بنوع من الترجيح من حيث علم المفتى وورعه وتقواه. وعلى هذا فليس لك أن تتبع الأيسر لمجرد كونه أيسر. والله أعلم.