عنوان الفتوى : حكم أكل اللحم الذي لا تعرف ديانة من ذبحه
توجد طوائف عديدة في لبنان، فهناك المسلم، والنصراني، والرافضي، والدرزي... وأما اللحم فمنه محلي، ومنه مستورد، وقد يكون مستوردًا من دول غالبيتها مسلمون – كالأردن - لكن معظم اللحوم المستوردة تأتي من البرازيل، وعليها كلمة: "حلال" وليست هناك رقابة من الحكومة اللبنانية عن صحة ذلك، وكذلك المسالخ المحلية، فهناك شركات كبيرة محلية، بشهادات عالمية عن جودتها، وتقول: إنها حلال، لكني لا أعرف: هل هذا صحيح؟ وقد تكون الطرق المستعملة توافق الشريعة، إلا أن الجزار رافضي، فليس لدي علم، وهناك من يقول: إن المسالخ تلك ليست حلالًا، وهذا كله كذب، ولا أعرف هل هذه إشاعة أم مصدر موثوق؟ فهل يجوز لي أن آكل من ذبائح تلك الشركات الكبيرة؟ وإذا ذهبت إلى مطعم، ولا أعرف ديانة صاحبه، ولا حتى من أين أتى بلحمه، فهل عليّ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الذبائح هو الحرمة، فلا يجوز للمسلم أن يأكل إلا ما علم أنه ذكي ذكاة شرعية، وقد بينا حكم الذبائح المستوردة في الفتويين: 235735، 241798.
ولا يكفي في إثبات شروط الذكاة الشرعية مجرد عبارة حلال المكتوبة على أكياس اللحوم؛ إلا إذا كانت خبرًا من مسلم ثقة عدل بحيث يقبل خبره، أو كان الخبر من نفس الذابح إن كان من أهل الذكاة فيقبل؛ قال النووي في المجموع: (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: لَوْ أَخْبَرَ فَاسِقٌ، أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَكَّى هَذِهِ الشَّاةَ قبلناه، وحل أكلها؛ لأنه من أهل الذكاة. انتهى.
ويُستثنى من ذلك إذا ثبت كذبه.
قال الكاساني في بدائع الصنائع: ثم إنما تؤكل ذبيحة الكتابي، إذا لم يشهد ذبحه، ولم يسمع منه شيء، أو سمع وشهد منه تسمية الله تعالى وحده؛ لأنه إذا لم يسمع منه شيء، يحمل على أنه قد سمى الله تبارك وتعالى، وجرد التسمية، تحسينًا للظن به كما بالمسلم. انتهى.
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 2354 بيان حقيقة الدروز، وأنهم فرقة باطنية كافرة، لا تجوز الصلاة على موتاهم، ولا أكل ذبائحهم.
وأما حكم ذبح ذلك النوع من أهل البدع والانحراف، فمبني على حقيقة ما وصلت إليه بدعته، أي: هل وصلت به إلى الكفر أم لا؟ فمن كانت بدعته عملية، وليس عنده شيء من البدع المكفرة، فإن ذبيحته حلال، بخلاف من بدعته مكفرة، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 125628، وراجع للفائدة حول البدعة المكفرة وغير المكفرة الفتوى رقم: 1449.
وأما الشركات المحلية: فإن كانوا مسلمين، أو كتابيين، فمع ادعائهم التذكية (عبارة حلال)؛ فالأصل حِل ذبائحهم، كما سبق، ما لم يتبين خلاف ذلك.
وأما المطاعم التي لا تعرف ديانة صاحبها: فالحكم للأغلب كما بينا في الفتوى رقم: 125628، فإن كان الغالب ممن يحل ذبائحهم حلت، وحينئذ فلا داعي للسؤال.
وأما إذا كان الغالب عدم الحل، لم يشرع الأكل، إلا إذا سألت من يغلب على الظن صدقه؛ فإن تبينت حله حل أكله؛ قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وروى عبد الرازق بإسناده عن ابن مسعود أنه قال لمن نزل من المسلمين بفارس: إذا اشتريتم لحمًا فسلوا، إن كان ذبيحة يهودي أو نصراني، فكلوا، وهذا لأن الغالب على أهل فارس المجوس ذبائحهم محرمة. انتهى. وروى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال: كان أناس من الأعراب يأتونا بلحم، وكان في أنفسنا منه شيء، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اجهدوا أيمانهم أنهم ذبحوها، ثم اذكروا اسم الله وكلوا. والحديث ضعفه الألباني في السلسلة لضعيفة، لكن قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات.
والله أعلم.