عنوان الفتوى : حكم ذبيحة المبتدع والفاسق

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما هو حكم أكل لحم تم استيراده من بلد إسلامي يغلب عليه الإرجاء؟ حيث لا فرق فيه بين السني والصوفي والرافضي والعلوي، وجزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فحكم الذبائح مبني على حكم ذابحيها، ومن القواعد المقررة أن من ثبت إسلامه بيقين، لم يزل ذلك عنه بالشك، وعلى ذلك فالأصل فيمن يدينون بالإسلام أنه محكوم بصحة إسلامهم، حتى وإن كانوا مبتدعة ما لم تكن بدعهم مكفرة، ثم إنه قد يكون ممن ينسب إلى المذاهب المنحرفة من لا يدينون بأصولها، ومنهم أتباع جهال، فهؤلاء لا يحكم بكفرهم أو فسقهم، إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وأن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة. مجموع الفتاوى.

وبناء على ذلك، فتحل ذبائح المبتدعة وإن كانوا فاسقين ببدعتهم، ما لم يصلوا إلى درجة الكفر وتقام عليهم الحجة، قال ابن قدامة في المغني من كتاب الصيد والذبائح: ولا فرق بين العدل والفاسق من المسلمين وأهل الكتاب.

وأما ذبيحة من اختلف في كفره فيختلف حكم الأكل منها بحسب اعتقاد الآكل، فإن ظن كفره لم يجز له الأكل منها وإلا فيجوز، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فلو ذبح تارك الصلاة ذبيحة، ودعا إليها رجلين، أحدهما يقول: إن تارك الصلاة لا تحل ذبيحته، لأنه مرتد، والثاني يقول: تحل ذبيحته، لأنه غير مرتد، فهنا يأكلها من لا يكفره، ومن كفره لا يأكلها. اهـ من الشرح الممتع.

وأما البلاد المختلطة فقد اختلف العلماء في حكم ذبائحها، فذهب بعضهم إلى تغليب جانب الحظر، قال النووي في المجموع: لو وجدنا شاة مذبوحة ولم ندر من ذبحها، فإن كان في بلد فيه من لا تحل ذكاته كالمجوس لم تحل، سواء تمحضوا أو كانوا مختلطين بالمسلمين، للشك في الذكاة المبيحة، والأصل التحريم، وإن لم يكن فيهم أحد منهم حلت.

وذهب آخرون إلى أن الحكم تابع لغالب حال أهل البلد، فإن كان أكثرهم محكوم بصحة إسلامهم حلت ذبائحهم، لأنه يغلب على الظن حينئذ أن الذابح كذلك، ونحن إنما كلفنا بالعمل بغالب الظن، قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: حيث كان ببلد فيه من يحل ذبحه كمسلم أو يهودي أو نصراني، ومن لا يحل ذبحه كمجوسي أو وثني أو مرتد أو متولد بين من يحل ذبحه ومن لا يحل ذبحه، ورأى بتلك البلد شياه مذبوحة مثلاً، وشك هل ذبحها من يحل ذبحه لم تحل، للشك في الذبح المبيح، والأصل عدمه، نعم بحث بعض المتأخرين أن من يحل ذبحه لو كان أغلب في تلك البلد، كان أكثرها مسلمين أو كتابين حلت تلك الشياه المذبوحة مثلاً، والحاصل أن المدار على الشك، فحيث شك في ذابح تلك الشاة، ومن لا يحل ذبحه أكثر حرمت وإلا فلا. انتهى باختصار.

وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، فقالت: إن لم يعرف حال الذابح، لكن غلب على من يدعي الإسلام في بلاده أنهم يستغيثون بالأموات، ويتضرعون إليهم، فيحكم لذبيحته بحكم الغالب. اهـ فتوى رقم 1653.

وبهذا يعلم الأخ السائل أن المسلم وإن أتى بدعة مكفرة فإنه لا يكفر حتى تقام عليه الحجة، فإن لم تقم عليه الحجة بقي على أصل إسلامه، والبلد المذكور إن كان الغالب في أهله من هذا الصنف فذبائحهم حلال عملاً بالأصل، وعلى فرض وجود بدع مكفرة مع إقامة الحجة على مرتكبيها، فالحكم لغالب من في البلد كما سبق، ولمعرفة بعض أنواع البدع المكفرة، راجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 1449، 95311، 122635.

والله أعلم.