عنوان الفتوى : هل الجماعة شرط في صحة الصلاة؟
كنت قد قرأت أن ابن تيمية اشترط صلاة الجماعة لصحة الصلاة، فما صحة نسبة هذا القول إلى ابن تيمية؟ وهل ينطبق على ما إذا دخل شخص في التشهد الأخير؟ وما رأي جمهور العلماء في ذلك؟ وهل يجوز الأخذ بالأيسر في هذه المسألة؟ حيث إنه بناء على هذا الرأي يجب على كل من فاتته جماعة في المسجد أن يبحث عن جماعة أخرى، وربما لا يجد.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 139651 أقوال الفقهاء في صلاة الجماعة، وهل هي شرط في صحة الصلاة؟ وبينا أن الجمهور على أنها ليست شرطًا، وذكرنا أدلتهم، وأن من الفقهاء من قال إنها شرط لصحة الصلاة، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد، قواها شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فانظر الفتوى المشار إليها.
والذين قالوا بأنها شرط إنما قالوا ذلك في حق غير المعذور، وأما من كان معذورًا فإن صلاته تصح عندهم.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: وَإِذَا تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ: فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد، وَغَيْرِهِ: أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تَفْضُلُ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، بِخَمْسِ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً}.
وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ؛ لِمَا فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ} وَلِقَوْلِهِ: {لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ} وَقَدْ قَوَّاهُ عَبْدُ الْحَقِّ الإشبيلي. اهــ.
وأما: وهل ينطبق على ما إذا دخل شخص في التشهد الأخير؟: فجوابه: أن الذي يظهر من كلام شيخ الإسلام، هو أنه لم يوجب على من أدرك التشهد الأخير أن ينتظر حتى يصلي مع جماعة أخرى، وإنما قال بأن هذا هو الأفضل, فلو كان من أدرك التشهد الأخير لم تصح صلاته عند شيخ الإسلام؛ لأوجب عليه أن ينتظر الجماعة الثانية.
فقد سئل عن رَجُلٍ أَدْرَكَ آخِرَ جَمَاعَةٍ، وَبَعْدَ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى، فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ مُتَابَعَةُ هَؤُلَاءِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، أَوْ يَنْتَظِرُ الْجَمَاعَةَ الْأُخْرَى؟
فذكر -رحمه الله- أقوال الفقهاء فيمن أدرك أقل من ركعة هل يكون مدركًا للجماعة أم لا؟ ورجح أنه غير مدرك للجماعة.
ثم قال: فَعَلَى هَذَا، إذَا كَانَ الْمُدْرَكُ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، وَكَانَ بَعْدَهَا جَمَاعَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى مَعَهُمْ فِي جَمَاعَةٍ صَلَاةً تَامَّةً، فَهَذَا أَفْضَلُ، فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ مُصَلِّيًا فِي جَمَاعَةٍ؛ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ .. اهــ.
ولا شك أن قول الجمهور أقوى، وأن القول بأنها شرط قول مرجوح.
قال الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله تعالى- في مجموع فتاواه: ولكن هذا القول مرجوح, والراجح أن المصلي في بيته تارك للواجب من غير عذر، آثم، وعاص, وإذا استمر على ذلك صار فاسقًا تسقط ولايته، وشهادته, كما ذهب إليه كثير من أهل العلم, ولكن صلاته تصح, ويدل لذلك حديث ابن عمر، وحديث أبي هريرة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ, فإن التفضيل لصلاة الجماعة يدل على أن في صلاة الفذ أجرًا, ومادام فيها أجر فإنه يدل على صحتها؛ لأن ثبوت الأجر فرع عن الصحة, إذ لو لم تصح لم يكن فيها أجر .. اهــ.
وأما هل يجوز الأخذ بالأيسر في هذه المسألة؟ فجوابه: نعم؛ لأن هذا هو الراجح كما ذكرنا, ثم إن العامي إذا اختلفت عليه أقوال الفقهاء، ولم يكن عنده ما يميز الراجح منها، فله الأخذ بالأيسر عند بعضهم؛ لأن الشريعة مبنية في الأصل على التيسير، كما بيناه في الفتوى رقم: 213868 .
وانظر المزيد من أدلة الجمهور على عدم اشتراط الجماعة لصحة الصلاة في الفتوى رقم: 191365، والفتوى رقم: 150043.
والله أعلم.