عنوان الفتوى : هل تجب طاعة الوالد إذا منع ولده من الصلاة في المسجد؟
أصبح عمري 18 سنة، وأنا مسلم أقيم صلاتي، ولكن لدي مشكلة مع أبي، فعندما أذهب إلى الجامع يغضب مني، ويقول: "لا تقم بالقيام بهذه الفكرة مجددًا"، وأحيانًا يعاملني أسوأ معاملة حتى مع أصدقائي، فحين يدعوني أصدقائي أستأذن أبي للذهاب، فحين يعلم أن صديقي مؤمن، ويقيم الصلاة، لا يدعني أذهب، والصلاة ترضي الله، ورضى الله في رضى الوالدين، ووالدي لا يرضى عني أثناء الصلاة، فماذا أفعل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه أما بعد:
فإننا أولًا نحمد الله تعالى على ما وفقك إليه من الحرص على المحافظة على الصلاة في المسجد، ومن صحبة الصالحين، وهذا خير عظيم، يستحق الشكر، والمداومة عليه.
أما منع والدك لك من الذهاب للمسجد: فإن كان المسجد قريبًا منك، بحيث يمكنك أن تسمع الأذان فيما لو أذن المؤذن بدون مكبر الصوت، فإن الصلاة في المسجد واجبة عليك، في قول كثير من الفقهاء، ولا يجوز التخلف عنها طاعةً للوالد؛ لأن طاعته لا تكون في معصية الله، قال ابن قدامة في المغني: وَلَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَجَبَ مِثْلُ الْحَجِّ، وَالصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَالْجُمَعِ، وَالسَّفَرِ لِلْعِلْمِ الْوَاجِبِ ... اهـ.
وأما إن كان المسجد بعيدًا عنك بحيث لا يمكنك سماع الأذان لو أذن المؤذن بدون مكبر صوت، فإن الصلاة في المسجد حينئذ، لا تجب عليك، ولكن تستحب، وانظر الفتوى رقم: 331864 عن شروط وجوب صلاة الجماعة في المسجد، وبينا فيها ضابط وجوب الصلاة في المسجد عند القائلين بها.
وإذا لم تجب عليك في المسجد، وإنما تستحب، ومنعك والدك من الذهاب، فقد سبق أن بينا في فتوى سابقة عن حكم طاعة الوالد في ترك المستحب، وبينا فيها أنه يطاع في ترك المستحب، إذا كان له غرض ومقصد صحيح، وليس عن هوى وجهل.
فإذا كان لوالدك غرض صحيح في منعك من الذهاب للمسجد، كحاجته إليك في معونة، وخدمة، ونحو ذلك، أو لخوفه عليك من أذى في الطريق، فطاعته لازمة.
وإن لم يكن له غرض صحيح، فلا طاعة له؛ لأن أمره نشأ عن هوى، وصد عن خير، لغير قصد معتبر، لا سيما إن خشيت على استقامتك من الضياع، وعلى إيمانك من الضعف لو تركت الصلاة في المسجد؛ فإن الصلاة في المسجد من أعظم أسباب الثبات على الطاعة، وزيادة الإيمان.
كما سبق التنبيه في فتوى سابقة، إلى أن الوالدين لو أطيعا في ترك السنن بصفة مستمرة، حيث لا غرض صحيحًا لهما في الأمر بالترك، وكذا في ترك الواجبات؛ لتبدلت شريعة الله، وصارت شريعة الآباء، ولضاعت شعائر الدين، لا سيما في هذا الزمن الذي انتشر فيه الجهل، وصار فيه كثير من الآباء لجهلهم لا يهمهم إلا طاعة أولادهم لهم، ولو كانت على حساب الشريعة، بل بعض الآباء يمنع ولده من الطاعة؛ كرهًا للطاعة وأهلها، وهذا -والعياذ بالله- شر، وفيه خطر كبير على الولد.
ونحن لا نعني بذلك فتح الباب للولد في مخالفة الوالدين وعصيانهما، ولكن ننبه إلى أمر قد صار منتشرًا، ويخشى منه ضياع الشعائر الدينية بسببه، وإلا فإن مخالفة الوالدين فيما يأمران به من المعروف، شأنها خطير.
والله تعالى أعلم.