عنوان الفتوى : الانتخابات...مدى جدواها...وحكم اليمين ودفع مال لذلك
أرجوكم التكرم بإفادتنا حول هذه المسألة وهي أننا في اليمن قادمون على موسم الانتخابات وفي هذا الموسم يقوم البعض بإرغام بعض الناس على اختيار مرشحيهم بوسائل نريد معرفة شرعيتها وهي القيام بإعطائهم أموالاً وكذلك إجبار البعض على حلف اليمين أن لايختاروا إلا أولئك الناس فهل على من دخل معهم في هذا أن يحنث في يمينه أم يبر بها ولو كان يعلم أن الشخص المرشح ليس كفؤاً وهل يعد انتخاب الفاسدين من قبيل شهادة الزور وإذا كان كذلك فأيهما أعظم شهادة الزور أم الحنث باليمين ,, أفيدونا مأجورين وجزاكم الله كل الخير
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا إجابات عن الحكم الشرعي للمشاركة في الانتخابات في الفتوى رقم: 18315 والفتوى رقم: 18151 والفتوى رقم: 5141
وتمام الكلام على هذه المسألة يتضح بذكر عدة أمور:
أولها: أن المسلم وإن أداه اجتهاده إلى عدم المشاركة في الانتخابات لعدم جدواها، ورأى طائفة من إخوانه الصالحين قد أقدموا على المشاركة قاصدين تمكين ما يمكن تمكينه من الخير، ودفع أو تخفيف ما يمكن تخفيفه من الشر، فإن الأولى في حقه هو المشاركة تأييداً لأهل الصلاح، لأنه قد يؤدي بتقاعسه إلى ظهور أهل الفساد وتمكنهم، وإخفاق أهل الصلاح وتأخرهم.
ثانيها: أن اختيار الفاسدين يعد من شهادة الزور، وتضييع الأمانة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " قال: كيف إضاعتها؟ قال: " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " رواه البخاري.
بل فعل ذلك من الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، فقد روى الحاكم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من استعمل رجلاً من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 28/247: فصل: فأما أداء الأمانات ففيه نوعان: أحدهما: الولايات.... ثم قال: فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله " وفي رواية: " من ولَّى رجلاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين " رواه الحاكم في صحيحه، وروى بعضهم أنه من قول عمر لابن عمر روى ذلك عنه.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
ثم قال: فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو ولاء عتاقة أو صداقة أو مرافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس العربية والفارسية والتركية والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) . انتهى
ثالثها: حكم ما يدفع من المال لاختيار فلان من الناس وله حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون المال من بيت المال وهو ما يسمى بميزانية الدولة العامة، ففي هذه الحالة إن كان من أخذ المال له حق في بيت المال لكونه فقيراً أو غارماً أو نحو ذلك جاز له الأخذ.
وإن كان غنياً لا يستحق من بيت المال شيئاً، فإن أخذه بقصد صرفه في وجوهه الصحيحة من حاجات المسلمين جاز، وإلا حرم عليه أخذ هذا المال.
ويجب عليه اختيار الأصلح سواء أخذ المال أم لا.
الحالة الثانية: أن يأخذ المال من غير مال المسلمين العام كأن يأخذه من شخص أو حزب ويكون المال ملكاً لذلك الشخص أو الحزب فلا يجوز له أخذه لأنه رشوة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، وهو الواسطة بينهما، ومن أخذه فعليه رد المال إلى صاحبه، وترشيح واختيار من هو الأرضى لله تعالى.
رابعها: حكم اليمين التي أخذت من شخص على أن يختار من ليس بأهل، فهذه اليمين يجب حلها، ويجب اختيار الأصلح، وعليه أن يكفر عن يمينه.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني 9/391: وإن كانت (أي اليمين) على فعل مكروه أو ترك مندوب فحلها مندوب إليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " وإن كانت اليمين على فعل محرم أو ترك واجب فحلها واجب، لأن حلها بفعل الواجب، وفعل الواجب واجب. انتهى
والله أعلم.