عنوان الفتوى : مذاهب العلماء فيمن علق الطلاق على أمر لا يمكن معرفته إلا من جهة الزوجة
متزوج منذ خمس سنوات ورزقت بطفلة وطفل ـ والحمد لله ـ ولكنني كنت كثير التهديد بالطلاق والتلفظ به تعليقا، ثم تبت وأقلعت عن ذلك ـ والحمد لله ـ وأعتقد أنه بقيت بيني وبين زوجتي طلقة، وأخشى أن تكون هذه هي الطلقة الأخيرة، ومنذ ثلاث سنوات ونصف حدثت مشاجرة في الهاتف، وبعد المشاجرة.... قالت لي إنها تحبني أكثر أو مثل الأول وأن حبها لم يقل، فقلت لها: إذا كنت لا تحبينني مثل الأول أو أكثر من الأول، أو إذا كنت تكذبين ـ أشك في الصيغة، والمقصود أنني علقت الطلاق على كذبها في مشاعرها التي قالتها ـ تكونين طالقا، واستفتينا وقتها من نثق به، فقال هذا لغو، لأن الحب لا يقاس مثل الإيمان يزيد وينقص، ولكنني رجعت الآن غير مطمئن للفتوى، وهي تقول إنها لا تستطيع أن تقول إنها كانت كاذبة أو صادقة، ولكنها في اليوم التالي للمشاجرة قالت للجيران: المشكلة أنني أحبه ـ ولكنها في نفس الوقت تشك وتقول كيف يجتمع الحب مع الغضب والمشاجرة، ولكنها ترجع وتضرب مثالا: عندما تضرب الأم ابنتها وهي في نفس الوقت تحبها حبا شديدا، أفيدوني في المسألة حسب المذاهب الأربعة، وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم الحلف بالطلاق وتعليقه على شرط، وجمهورهم على وقوع الطلاق بالحنث فيه مطلقاً، وهذا هو المفتى به عندنا، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ومن وافقه، أن الحلف بالطلاق وتعليقه من غير قصد إيقاعه، وإنما بقصد التأكيد أو المنع أو الحث، لا يقع به الطلاق، وإنما تلزم الحالف كفارة يمين إذاحنث، وانظري الفتوى رقم: 11592.
وإذا كان الأمر المعلق عليه الطلاق لا يمكن معرفته إلا من جهة الزوجة، فالأصل أنّ قولها فيه معتبر، فإن أخبرت بوقوعه وقع الطلاق، وإن أخبرت بعدم وقوعه لم يقع الطلاق، قال الكاساني الحنفي رحمه الله: وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى عُلِّقَ الطَّلَاقُ بِشَيْءٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا يَتَعَلَّقُ بِإِخْبَارِهَا عَنْهُ.
وقال العمراني الشافعي رحمه الله: وإن قال لها: أنت طالق إن كنت تحبينني، أو إن كنت تبغيضيني، أو إن كنت معتقدة لكذا، أو محبة لكذا.. رجع في ذلك إليها، لأنه لا يعلم إلا من جهتها.
وقال الرحيباني الحنبلي رحمه الله: قَوْلِهِ: إنْ أَضْمَرْتِ بُغْضِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَادَّعَتْهُ أَيْ: إضْمَارَ بُغْضِهِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ.
وذهب بعض العلماء إلى أن الرجل إذا علق طلاق زوجته على إخبارها له بشيء ولم يعلم صدقها أو كذبها فإنها تطلق منه ديانة لا قضاء، قال الحطّاب المالكي: وإن قال لها أنت طالق إن كتمتيني أو كذبتيني لشيء سألها عنه فتخبره فلا يدري أكتمته أم كذبته فليفارقها بلا قضاء. انتهى.
فهذه مذاهب الأئمة الأربعة فيما لو أخبرت الزوجة بما علق عليه الزوج الطلاق، مما لا تعلم حقيقة صدقها فيه من كذبها.
وعليه، فالراجح عندنا في هذه الحال عدم وقوع الطلاق، لأنّ الأصل بقاء النكاح فلا يزول بالشك، قال المجد ابن تيمية رحمه الله: إذا شك في الطلاق أو في شرطه بني على يقين النكاح.
وقال البهوتي رحمه الله: ومن له زوجتان حفصة وعمرة وقال عن طائر إن كان غرابا فحفصة طالق، وإن كان حماما فعمرة طالق، ومضى الطائر وجهل جنسه لم تطلق واحدة منهما ـ أي حفصة وعمرة ـ لاحتمال كونه ليس غرابا ولا حماما، والأصل عدم الحنث، فلا يزول يقين النكاح بالشك.
والله أعلم.