عنوان الفتوى : حكم الانحراف اليسير عن القبلة ومرور المرأة أمام الإمام ونسيان الركوع في الركعة الأخيرة
بارك الله فيكم. كنت مع اثنين من أصدقائي، وذهبنا للعب الكرة وقد أذن للعشاء، فخفنا أن يضيع الوقت الذي تم حجزه للملعب، فاتفقنا على أن نصلي العشاء جماعة بعد الانتهاء، ولكن بعد أن انتهينا وجدنا أن جميع المساجد أغلقت، وكنا في منطقة أغلبها أسواق، فسألنا عن القبلة، فأخبرنا رجل عنها، واستخدمت القبلة في الهاتف، فحدثت معنا هذه الأمور الثلاثة أثناء الصلاة: 1-جاء رجل ونحن نصلي، فقام بتحريكنا قليلا جهة اليسار. 2- قامت امرأة بالمرور من أمامي، وكنت الإمام لا أعلم هل مرورها بين يدي أم أبعد. 3- في الركعة الأخيرة قرأت الفاتحة وكبرت، ونزلت للسجود دون ركوع. بعد الانتهاء من الصلاة تكلموا معي وأخبروني بذلك، فقمت وكبرت و أتيت بركعة، وسجدت للسهو، ثم سلمت. ولكني شككت أني لم أقرأ الفاتحة في هذه الإعادة، مع العلم أني كثير الشكوك وموسوس- أسألكم الدعاء- فلا أدري هل قرأتها أم لا؟ وهل ما فعلناه من الكلام- حتى إني استفسرت منهم؛ لأني لم أكن أفهم، ثم استأنفت الصلاة- صحيح؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فجوابنا على أسئلتك يتلخص فيما يلي:
أولا: أما توجيهكم أثناء الصلاة إلى ما يراه ذلك الرجل جهة القبلة، فإن كان يسيرا -كما ذكرت- ولا يخرجكم عن مسمى الجهة التي كنتم عليها، فإنه لا يؤثر على صحة الصلاة سواء كنتم أنتم المصيبن في جهتكم الأولى أم كان ذلك الرجل هو المصيب؛ لأن الانحراف اليسير عن القبلة لا تبطل به الصلاة؛ لحديث: مَا بَيْنَ اَلْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ. رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَقَوَّاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
جاء في شرح المنتهى: وَيُعْفَى عَنْ انْحِرَافٍ يَسِيرٍ يَمْنَةً وَيَسْرَةً؛ لِلْخَبَرِ، وَإِصَابَةُ الْعَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ مُتَعَذِّرَةٌ، فَسَقَطَتْ، وَأُقِيمَتْ الْجِهَةُ مَقَامَهَا لِلضَّرُورَةِ. اهــ.
ثانيا: فيما يتعلق بمرور المرأة أمامك، فبطلان الصلاة بمرور المرأة محل خلاف بين أهل العلم كما بيناه في الفتوى رقم: 145391 والمفتى به عندنا عدم البطلان كما في الفتوى رقم: 53022, وحتى على القول ببطلان الصلاة بمرورها، فأنت لا تعلم هل مرت بين يديك أم أبعد فلا يُحكم ببطلان صلاتكم بأمر مشكوك في حصوله، والأصل أنها لم تبطل.
ثالثا: ما فعلته من الإتيان بركعة كاملة بعد أن سلمت، وذكرك المصلون بأنك لم تركع، هو الصواب؛ لأن من ترك ركنا من أركان الصلاة وعلمه بعد السلام، فإنه يأتي بركعة كاملة. قال صاحب الزاد: وَإنْ عَلِمَ بَعْدَ السَّلاَمِ فَكَتَرْكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ ... اهــ.
ويرى بعض الفقهاء أنه لا يلزمه أن يأتي بركعة كاملة، وإنما يأتي بالركن المتروك وما بعده فقط، وهذا ما رجحه الشيخ ابن عثيمين في شرح الزاد فقال:
والقول الثاني: أنه لا يلزمه أن يأتي بركعة كاملة، وإنما يأتي بما تَرَكَ وبما بعده؛ لأن ما قبل المتروك وَقَعَ في محلِّه صحيحاً، فلا يُلزم الإِنسان مرَّة أخرى، أما ما بعد المتروك، فإنما قلنا بوجوب الإِتيان به من أجل الترتيب .... وهذا القول هو الصَّحيح. اهــ.
وشكك بعد السلام بأنك لم تقرأ الفاتحة لا يؤثر على صحة الصلاة، لا سيما وأنت مصاب بالوسوسة، وقد نص الفقهاء على أن الشك بعد الانتهاء من العبادة لا عبرة به.
رابعا: كلام الجماعة لك بعد السلام، وكلامك لهم إن كنتم جاهلين بأن الكلام يبطلها، لم تبطل صلاتكم؛ لحديث معاوية بن الحكم السلمي فقد تكلم في الصلاة جاهلا بالتحريم ولم يأمره النبي بالإعادة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَهُنَا أَقْوَالٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ: فَعَنْهُ أَنَّ كَلَامَ النَّاسِي وَالْمُخْطِئ لَا يُبْطِلُ؛ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِي .... وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَهَذَا كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ. اهــ.
كما أن الكلام إذا كان لمصلحة الصلاة، ذهب كثير من الفقهاء إلى أن الصلاة لا تبطل به إذا كان يسيرا استدلالا بحديث ذي اليدين.
قال صاحب الروض: وإن كان يسيرا لم تبطل. قال الموفق: هذا أولى، وصححه في الشرح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا وبنوا على صلاتهم. اهــ.
وقال النجدي في حاشيته على الروض: ونص عليه أحمد، وهو مذهب مالك والشافعي، وعوام أهل العلم، وجزم به شيخ الإسلام لظواهر النصوص. اهــ.
وننبهك أخيرا إلى أنه لم يكن ينبغي لكم أيها السائل أن تتركوا الصلاة في المسجد، وقد سمعتم منادي العشاء يناديكم: " حي على الصلاة، حي على الفلاح " وكان ينبغي أن يكون خوفكم على فوات الجماعة أعظم من خوفكم على فوات الوقت المخصص للعب.
والله تعالى أعلم.