عنوان الفتوى : حكم المرور بين يدي المصلي
الأخ الكريم أنا عندما تضيع مني الصلاة مع الجماعة و أريد أن أصلي في البيت، أو عند ما أريد أن أصلي بعض النافلة في البيت. تمر زوجتي أمامي و هي تلبس الثياب القصيرة جدا و الشفافة جدا ( ثياب العروس ) فنحن ما زلنا في بداية حياتنا الزوجية فأحيانا أراها في النظرة الأولى ثم أركز في الصلاة. فهل هذا الشيء يؤثر على صلاتي مع العلم أنه لا يسبب لي أي نوع من الإثارة . فهي ترتدي هذه الثياب طوال اليوم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمشروع لك إذا أردت الصلاة أن تجعل بين يديك سترة تكف نظرك عما وراءها وتمنع من المرور بين يديك. قال الصنعاني رحمه الله : يندب للمصلي اتخاذ سترة , ويكفيه مثل مؤخرة الرحل ؛ وهي قدر ثلثي ذراع , وتحصل بأي شيء أقامه بين يديه . قال العلماء : والحكمة في السترة كف البصر عما وراءها , ومنع من يجتاز بقربه . انتهى بتصرف يسير.
فإذا صليت إلى سترة لم يجز لزوجتك أن تمر بينك وبين سترتك, وإذا قصرت في اتباع السنة وصليت إلى غير سترة لم يجز لزوجتك أن تمر بين يديك قريبا منك كذلك, فعن أبي جهيم بن الحارث رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه. متفق عليه.
جاء في الروض مع حاشيته : ويحرم المرور بين المصلي وسترته ولو بعيدة، وإن لم يكن سترة ففي ثلاثة أذرع فأقل أي فيحرم المرور في ثلاثة أذرع من قدم المصلي فأقل. وحكى ابن حزم الاتفاق على إثمه , وقيل : أبعد من موضع السجود , وأما البعيد فلا يتعلق به حكم. وقال الموفق : لا أعلم أحدا حد البعيد في ذلك , ولا القريب , وقال : الصحيح تحديد ذلك بما إذا مشى إليه المصلي , ودفع المار بين يديه , للأمر به فتقيد بدلالة الإجماع بما يقرب منه . انتهى.
فإذا علمت ما مر من عدم جواز مرور زوجتك أمامك وأنت تصلي, وأنك إن كنت تصلي إلى سترة لم يجز لها المرور بينك وبينها وإن كنت تصلي إلى غير سترة لم يجز لها المرور قريبا منك, وقيد بعض العلماء القرب بموضع السجود وبعضهم بثلاثة أذرع وبعضهم حده بالعرف, فإنها إن خالفت ومرت بين يديك حيث لا يجوز لها المرور أثمت بالاتفاق , وتبطل صلاتك بذلك عند بعض أهل العلم. واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقطع صلاة الرجل المسلم - إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل - المرأة , والحمار , والكلب الأسود .
ومذهب الجمهور أن الصلاة لا تبطل بذلك.
قال ابن القاسم رحمه الله في الحاشية : قال الشيخ - أي شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله - والصواب أن مرور المرأة والكلب الأسود والحمار بين يدي المصلي دون سترة يقطع الصلاة , وقال ابن القيم : صح عنه صلى الله عليه وسلم من طرق أنه يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود. فثبت ذلك عنه من رواية أبي ذر وأبي هريرة وابن عباس وعبدالله بن مغفل , ومعارض هذه الأحاديث قسمان صحيح غير صريح , وصريح غير صحيح , فلا يترك لمعارض هذا شأنه. اهـ .
وذهب مالك والشافعي , وحكاه النووي عن جمهور العلماء من السلف والخلف أنه لا يبطل الصلاة مرور شيء , ولم يأمر أحدا بإعادة صلاته من أجل ذلك , وتأولوا أن المراد نقص الصلاة بشغل القلب بهذه الأشياء, قالوا : وصح عن عمر : لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي , وأوردوا أحاديث . انتهى.
وفي المسألة مناقشات تطول , ولكن تجنب الدخول في مثل هذا الخلاف أولى وأحرى بالمكلف, وأما إذا مرت من وراء سترك أو بعيدا منك إن كنت تصلي إلى غير سترة على الخلاف المبين في حد البعد، ورجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يقيد بموضع السجود فإن صلاتك لا تتأثر بذلك , ولا أثر لما تلبسه زوجتك من الثياب فيما ذكرنا من الأحكام .
والله أعلم