عنوان الفتوى : طرق معرفة أحوال الرواة ومراتبهم وضبطهم وإتقانهم
كيف يعلم المحدثون أن فلانا أوثق من فلان. هل يعلمون من شيوخهم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في معرفة حال الراوي وضبطه، ومرتبته في الإتقان هو: مقارنة مروياته بمرويات الثقات المتقنين.
قال النووي في التقريب: يعرف ضبطه بموافقته الثقات المتقنين غالبا، ولا تضر مخالفته النادرة، فإن كثرت اختل ضبطه، ولم يحتج به. اهـ.
وقال السيوطي في شرحه (تدريب الراوي): (بموافقة الثقات المتقنين) الضابطين، إذا اعتبر حديثه بحديثهم، فإن وافقهم في روايتهم (غالبا) ، ولو من حيث المعنى، فضابط، (ولا تضر مخالفته) لهم (النادرة، فإن كثرت) مخالفته لهم، وندرت الموافقة، (اختل ضبطه، ولم يحتج به) في حديثه. اهـ.
وقال الدكتور أبو بكر كافي في رسالته العلمية: (منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها): يعرف ضبط الراوي بسبر أحاديثه، وعرضها على أحاديث غيره من الرواة لتعرف مدى الموافقة والمخالفة لهم. وقد لخص الإمام ابن الصلاح - رحمه الله - هذه الطريقة معتمداً في ذلك على صنيع الأئمة وصريح أقوالهم. فنذكر قوله. ثم نتبعه بأقوال أئمة النقد. قال - رحمه الله -: " يعرف كون الراوي ضابطاً بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة لهم ولو من حيث المعنى لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب، والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ثبتاً، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم، عرفنا اختلاف ضبطه ولم يحتج بحديثه ". وهذا الذي ذكره ابن الصلاح قد صرح به الأئمة وعلموا به. قال الإمام الشافعي مشيراً إلى شروط الراوي الذي تقوم به الحجة: " إذا شارك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم ". وقال الإمام أيوب السختياني: " إذا أردت أن تعرف خطأ معلمك فجالس غيره ". وقال ابن المبارك: " إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضها ببعض ". وقد صرح بهذا الإمام مسلم في صحيحه، فقال: " وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى، خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث، غير مقبوله ولا مستعمله " اهـ.
وبهذه الطريقة نفسها يحصل الحكم على مرتبة الراوي مقارنة بغيره من الثقات المتقنين.
والله أعلم.