عنوان الفتوى : حكم استفتاء علماء بلد غير بلدها في مسائل الطلاق

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا مصرية ، فهل يجوز الاستماع لشيوخ دولة أخرى في مسألة الطلاق ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
الواجب على العامي ، أو طالب العلم الذي لم يتأهل للنظر : أن يرجع في أمر دينه ، والنوازل التي تواجهه إلى أهل العلم الثقات ، فيسألهم ، ويصدر عن كلامهم ، قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل /43، 44 .
قال القرطبي رحمه الله في "تفسيره" (2/212) : " فرْض العامِّي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها ، لعدم أهليته ، فيما لا يعلمه من أمر دينه ، ويحتاج إليه : أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده ، فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه ، لقوله تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه ، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس" انتهى .
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم ، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل ؛ فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله ... " انتهى من "تفسير السعدي" (441).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله" : واجتهاد العامة هو طلبهم العلم من العلماء ، بالسؤال والاستفتاء ، بحسب إمكانهم " انتهى من "جامع الرسائل" (2/318) .
ويلزم العامي في استفتائه أهل العلم أن يقصد منهم من عُرِف بالعدالة والاجتهاد ، وتحرِّي الحق والصواب ، دون من عرف بالتهاون ، وتتبع الرخص ، واتباع الهوى ، فقد نص أهل العلم على عدم جواز استفتاء المتساهل في الفتوى .
قال النووي رحمه الله تعالى : " يحرم التساهل في الفتوى ، ومن عُرِف به : حَرُم استفتاؤه فمن التساهل : أن لا يتثبت ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر ؛ فإن تقدمت معرفته بالمسؤول عنه : فلا بأس بالمبادرة ، وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة . ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة ، والتمسك بالشبه ، طلبا للترخيص لمن يروم نفعه ، أو التغليظ على من يريد ضره " انتهى من " آداب الفتوى والمفتي والمستفتي " (1 / 38) .
وقال ابن حمدان الحنبلي رحمه الله : " يحرم التساهل فِي الْفَتْوَى ، واستفتاء من عرف بذلك ، إِمَّا لتسارعه قبل تَمام النّظر والفكر ، أَو لظَنّه أَن الْإِسْرَاع براعة " .
انتهى من " صفة الفتوى والمفتي والمستفتي " (ص31).
فالواجب إذن استفتاء العالم العدل الثقة ، وسواء كان هذا العدل في بلد المستفتي ، أو غيرها من البلدان ، ما دام صورة السؤال واضحة مفهومة ، ولغة السائل بينة في مراده بالنسبة للمستفتي ، لا يتوقف فهم النازلة ، ولا فهم مراد السائل من سؤاله على كونه من أهل البلد ، أو عارفا بلغتهم .
فإن استفتاه : أخذ قوله وعمل به ، ولا يجوز له حينئذ أن يترك قوله ويذهب إلى غيره لمجرد التشهي ، واتباع الهوى ، وتتبع الرخص ؛ فإن هذا تلاعب بدين الله ، واتباع لشهوات النفس الأمارة .
وقد سبق أن بينا بالتفصيل من كلام أهل العلم ، ما يلزم العامي إذا عرضت له نازلة وقد احتاج أن يعلم حكم الله سبحانه فيها ، فليراجع ذلك في الفتوى رقم : (105721) ، والفتوى رقم : (148057) .

والله أعلم.