عنوان الفتوى : على المسلم ألا يحمله سخرية الناس به لدينه على الانتصار لنفسه
أحبتي في الله: للأسف، هناك من يتهم هذا وذاك بالتشدد من دون علم، فقد قال لي أكثر من واحد أنت متشدد في مسائل، أكون فيها على علم، وأقلد عالما ثقة. نعم صحيح، أقر بأني إنسان يخطئ وقد يبدر مني تشدد، بل قد بدر مني تشدد وقد نبهتموني - بارك الله فيكم - لكن أشعر أن هناك من يقول هذا من باب التشفي لا النصح، فمثلا ذهبت لزيارة أهلنا في فلسطين في الإجازة، والنساء في منطقتنا معظمهن لا يسترن وجوههن، فكنت - ولله الحمد - أغض بصري عن النظر لهن، وإن من عادات عائلتنا اختلاط الرجال بالنساء، وعند الجلوس أضع بصري إما على الرجال فقط، أو على الأرض، وقد واجهت ذلك حقيقة باحترام وتقدير منهن، إلا امرأة ضحكت، وأصبحت تتكلم أن الدين يسر وليس عسرا وهذا تشدد، وتقول هذا أمام الناس، - وهي تضع كميات كبيرة من المكياج على وجهها أمام الناس - وهي في الحقيقة ضايقتني، فقلت لها - وأنا غاض بصري - إن مسألة: هل الوجه والكفان عورة. مسألة خلافية من القدم، وكل عنده دليله، ولم يتهم هذا الفريق الفريق الآخر بالتشدد، أو الفريق الثاني اتهم الفريق الأول بالتسيب، وسكت. فهل ما قلته كاف أم كان الأفضل الإعراض عنها ؟ وهل يجوز لي أن أسأل الذي يتهمني بالتشدد، أو يتهم غيري أمام الناس عن أركان الصلاة أمامهم، فإن لم يجب أخبره كيف لإنسان لا يعرف أركان الصلاة أن يحكم على هذا بالتشدد أم لا ولا أقول عن نفسي عالم، بل أنا مجرد طالب علم أم إن هذا يتعارض مع أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لمرضاته، والمؤمن قد يبتلى بمن يسخر منه لتدينه، فليصبر على ذلك ويدفعه بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
وقولك: ( مسألة: هل الوجه والكفان عورة مسألة خلافية من القدم، وكل عنده دليله، ولم يتهم هذا الفريق الفريق الآخر بالتشدد، أو الفريق الثاني اتهم الفريق الأول بالتسيب ) صحيح، وقد بينا أقوال العلماء في هذه المسألة وأدلتهم في الفتوى رقم: 50794 .
لكن ليحترس المسلم من أن تحمله سخرية الناس منه على الانتصار لنفسه مظهرا ذلك بمظهر الانتصار للدين، فهذا نوع من الهوى الخفي، فلا ينبغي للمؤمن أن يماري الناس في الأحكام الشرعية لمجرد إفحامهم، وإظهار جهلهم وقلة علمهم، وهذا الصنيع ليس من مقتضيات محبة المؤمن لإخوانه ونصحه لهم، وقد جاء عن الحسن البصري أنه قال: المؤمن يداري, ولا يماري, ينشر حكمة الله, فإن قبلت حمد الله, وإن ردت حمد الله . ذكره الآجري في أخلاق العلماء.
والأولى البعد عن المجالس التي بها اختلاط بالنساء، لا سيما إن كن غير متقيدات بضوابط الحجاب الشرعي.
وراجع للفائدة الفتاوى أرقام: 98295 ، 48482 ، 115817 .
والله أعلم.