عنوان الفتوى : القدر المقسوم لا ينافي الأخذ بالأسباب
هل طلب مساعدة الغير هو أخذ بالأسباب أم عدم ثقة بالله؟. دعوت الله وحده شهرا كاملا فلم يأت الفرج ولم أسأل غير الله أبدا، فبدأت أشعر باليأس!! وأنا محتارة الآن هل أطلب المساعدة أم أنتظر الفرج من الله؟ وحتى لو طلبت المساعدة من أحد فلن يأتي الفرج إلا عندما يأذن الله، فالرجاء الإفادة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفرج بيد الله وحده، كما قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ {الأنعام:17}.
وقال جل وعلا: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {فاطر:2}.
فاجعلي ثقتك بالله وحده وقوي توكلك عليه، فبيده الأمر كله، ولمعرفة كيف تقوين ثقتك به وتوكلك عليه ـ سبحانه ـ راجعي الفتاوى التالية أرقامها :21491، 169971، 178009، 179049.
ثم اعلمي أنه لا منافاة بين التوكل عليه والثقة به ـ جل وعلا ـ وبين الأخذ بالأسباب المشروعة كطلب المساعدة المباحة من الآخرين، ولمعرفة وجه عدم المنافاة بينهما انظري الفتاوى التالية أرقامها: 216799، 134590، 18784، 17715.
لكن الأسباب المشروعة ليست مقصورة على الطلب المشروع من الخلق، بل هناك أسباب غيبية لحصول الفرج، فأسباب الفرج المشروعة نوعان: غيبية: كالدعاء والاستغفار والتوبة، وحسية: كطلب المساعدة والسعي والاستشارة، وينبغي على المؤمن العاقل أن يأخذ بكلا النوعين، فلا داعي للحيرة، بل اجمعي بين الدعاء وبين الطلب المشروع، واطرحي عنك اليأس واستبطاء إجابة الدعاء، فهذا من موانع الإجابة، كما قررناه في الفتاوى التالية أرقامها: 56637، 120307، 131738.
وقد بينا خطر اليأس والقنوط من رحمة الله في الفتوى رقم: 213937.
ثم عليك أن تعلمي أن الله يستجيب دعاء العبد على ثلاث صور: فإما أن يحقق له مطلوبه، أو يصرف عنه من السوء مثله، أو يدخر له من الأجر مثله، وهذا من رحمته وحكمته جل وعلا، كما قررناه في الفتاوى التالية أرقامها: 76262، 48562، 137782، 201994.
فمن أدرك هذا أحسن الظن بالله، والله عند حسن ظن عبده به جل في علاه، وأما قولك: وحتى لو طلبت المساعدة من أحد فلن يأتي الفرج إلا عندما يأذن الله ـ فحق فهمته على وجه خاطئ، لأنه لا معاندة بين الطلب المشروع والفرج المكتوب، بل الأول سبب والثاني نتيجته ـ بإذن الله ـ إنما المعاندة قائمة بين ترك السبب وانتظار الفرج، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، فكون الفرج مقدر وقته أزلا لا يعني ترك أسبابه، فقد تعبدنا الله بالأخذ بالأسباب الغيبية والحسية لنيله, والله كريم لا يخيب سائله ولايرد على العبد وسائله، فكما أنه مقدر على الإنسان أزلا أنه في الجنة أو النار، وقد تعبدنا الله بأخذ أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، فهل من العقل بعد ذلك أن يعمل الإنسان بعمل أهل النار ويقول إن كان كتبت لي الجنة فسأدخلها مهما فعلت بل كتب الله الجنة لأهلها الآخذين بأسبابها وكذلك النار، فحكمته أجل من أن يجعل أولياءه في الجحيم وأعداءه في الجنة، ومن أصدق من الله قيلا، ومن أوفى من الله وعدا، وهكذا في مسألة الفرج والأخذ بأسبابه، فالله قدر الفرج والتوفيق بأسباب والفشل والخذلان بأسباب، فالقدر المقسوم لا ينافي الأخذ بالأسباب، وهذا المعنى قررناه في الفتاوى التالية أرقامها: 101860، 112399، 162865.
والله أعلم.