عنوان الفتوى : إذا ألهم العبد الدعاء فهل يلزم منه الإجابة
سؤالي عن الدعاء: هل صحيح أنه عند ما أدعو ربي أن يحقق لي أمنية. مثلا أدعو الله أن يجمعني بمن أريد يكون ذلك إلهاما من الله تعالى أي أن الله ألهمني بهذا الدعاء، ولذلك سيتجيب لي هذا الدعاء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما أشارت إليه السائلة صحيح من وجه، ولكنه يحتاج إلى قيد من وجه آخر، فأما وجه صحته فيتبين بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم): إذا أراد الله بعبد خيراً ألهمه دعاءه والاستعانة به، وجعل استعانته ودعاءه سبباً للخير الذي قضاه له، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لا أحمل هم الإجابة، وإنما أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه". كما أن الله تعالى إذا أراد أن يشبع عبدا أو يرويه ألهمه أن يأكل أو يشرب، وإذا أراد الله أن يتوب على عبد ألهمه أن يتوب فيتوب عليه، وإذا أراد أن يرحمه ويدخله الجنة يسره لعمل أهل الجنة، والمشيئة الإلهية اقتضت وجود هذه الخيرات بأسبابها المقدرة لها، كما اقتضت وجود دخول الجنة بالعمل الصالح، ووجود الولد بالوطء، والعلم بالتعليم، فمبدأ الأمور من الله، وتمامها على الله. اهـ.
وقال ابن القيم في (الفوائد): إذا كان كل خير أصله التوفيق, وهو بيد الله لا بيد العبد, فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له, ومتى أضلّه عن المفتاح بقي باب الخير مرتجا دونه. اهـ.
وقال في (عدة الصابرين): من أعطى منشور الدعاء أعطى الإجابة، فإنه لو لم يرد إجابته لما ألهمه الدعاء، كما قيل:
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه ... من جود كفك ما عودتني الطلبا. اهـ.
وقال في (الجواب الكافي): من ألهم الدعاء فقد أريد به الإجابة؛ فإن الله سبحانه يقول: (ادعوني أستجب لكم). وقال: (وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان). اهـ.
وأما وجه تقييده، فلابد من العلم أن صور الاستجابة تتنوع، فإما أن يعطى العبد ما سأل، وإما أن يصرف عنه من السوء مثله، أو أن يدخر له في الآخرة، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ! قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ. رواه أحمد وصححه الألباني.
قال ابن عبد البر في (التمهيد): فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة. اهـ.
وقال ابن حجر في (الفتح): كل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة: فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه. اهـ. وراجعي في ذلك الفتويين: 111052، 72867.
وينبغي أن يُقيَّد ذلك أيضا بخلو الداعي من موانع الإجابة، كأكل الحرام، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاستعجال وترك الدعاء، والشك في الإجابة، والدعاء على سبيل التجربة، واستيلاء الغفلة واللهو على القلب والجوارح، والدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم. وقد سبق بيان شروط إجابة الدعاء وموانعه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 11571، 8331، 2395، 121036.
والله أعلم.