عنوان الفتوى : وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما رأيكم في من يحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم نُزع من قلبه علقة وهي حظ الشيطان منه. وكذلك عصمه الله من الكبائر، ولم يكن لقرينه عليه سلطان. ما رأيكم فيمن يحتج بذلك على أنه لا يستطيع اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء؛ لأن الإنسان غير معصوم من الكبائر وللشيطان حظ في قلبه؟ سؤال آخر: موسى عليه السلام قتل نفسا وهذه كبيرة. كيف كان معصوما ؟ نصيحة: الرجاء تفعيل الروابط والكلمات الإنجليزية في الفتاوى؛ لأنه في بعض الأحيان قد يحتاج لوضع رابط، أو صورة توضح ما يقصده. ولكم جزيل الشكر.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد أمر الله تعالى باتباع نبيه فقال:  ... وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ  {الأعراف :158 }. وأخبرنا أن لنا فيه أسوة حسنة فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا  {الأحزاب : 21 }. وأعلمنا أن محبة الله لنا ومغفرته لذنوبنا تكون باتباعه صلى الله عليه وسلم فقال ... فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ... {  آل عمران : 31 }.

  وهذا يبين أن اتباعه أمر ممكن وإلا لما أمرنا بذلك ورغبنا فيه, والقول بعدم إمكانية اتباعه في كل شيء إن كان المقصود به في فعل الفرائض وترك المحرمات، فهذا غير صحيح، بل كل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرائض، وكل ما تركه من المحرمات يمكن اتباعه فيه, وكذا ما فعله صلى الله عليه وسلم من المستحبات يمكن اتباعه فيه في أصل العبادة، وأما في الكمية والكيفية فهذا يتعذر؛ ولذا قالت عائشة رضي الله عنها: وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ. متفق عليه.

  قال الحافظ في الفتح: وَأَيّكُمْ يَسْتَطِيع إِلَخْ ) أَيْ فِي الْعِبَادَة كَمِّيَّةً كَانَتْ أَوْ كَيْفِيَّةً مِنْ خُشُوع، وَخُضُوع، وَإِخْبَات، وَإِخْلَاص. اهـ. والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه مع كمال الخشوع، وهذا يشق على غيره، ولكن يمكن للمرء أن يقوم الليل ولو بركعتين، فيحصل الاتباع في عمل الطاعة دون كميتها وكيفيتها, وهكذا الإحسان إلى اليتامى والمساكين والجيران، وحسن الخلق. كله يمكن اتباعه فيه وإن لم يكن بنفس الكمية والكيفية، فله فيها صلى الله عليه وسلم أعلى المراتب, والله تعالى لم يأمرنا أن نصل إلى مستوى النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة وإنما أمرنا بالاتباع، وفرق بين الأمرين. فما يذكره الكسالى، والعصاة ويحتجون به على كسلهم أو معاصيهم ليس لهم فيه حجة.
وأما ما صدر من موسى قبل النبوة من قتل، فإن موسى عليه السلام لم يقصد القتل كما بيناه في الفتوى رقم: 135609وما دام لم يقصد القتل فإنه لم يقع في كبيرة.

قال الشوكاني في فتح القدير: وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَالْقَتْلُ الْوَاقِعُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَمْدٍ فَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ، لِأَنَّ الْوَكْزَةَ فِي الْغَالِبِ لَا تَقْتُلُ .. اهــ.

وسؤال موسى ربَّه المغفرة من قتل القبطي لا يدل على أنه وقع في كبيرة أيضا, وإنما أنه قتل قبل أن يؤمر أو غير ذلك مما لا يصل إلى حد الكبيرة.

  جاء في فتح القدير: وَوَجْهُ اسْتِغْفَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ أَنْ يَقْتُلَ حَتَّى يُؤْمَرَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ تَرْكِهِ لِلْأَوْلَى كَمَا هُوَ سُنَّةُ الْمُرْسَلِينَ، أَوْ أَرَادَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بِقَتْلِ هَذَا الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ لَوْ يَعْرِفُ ذَلِكَ لَقَتَلَنِي بِهِ، وَمَعْنَى فَاغْفِرْ لِي: فَاسْتُرْ ذَلِكَ عَلَيَّ، لَا تُطْلِعْ عَلَيْهِ فِرْعَوْنَ، وَهَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ ... اهــ.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 54423.

والله تعالى أعلم.