عنوان الفتوى : حكم تبرؤ الأب من أولاده الذين انتسبوا لغيره وحرمانهم من الميراث
زوجة طلقت نفسها خلعا، وتزوجت صديق زوجها. حرمت زوجها الأول من أبنائه، أعمارهم آنذاك(12 سنة، و 7 سنوات ) وسافرت إلى بلد أوروبي حتى لا يستطيع الوصول إليهم. حاول كثيرا الاتصال بهم بالإيميلات، وبأصدقاء مشتركين في هذا البلد، لكن الأم بثت الكراهية في قلوبهم. ولم ييأس، ولكنه فوجئ أن ولديه اليوم وقد بلغا (20 سنة و 15 سنة ) غيرا اسميهما، ونسبا نفسيهما لعائلة أمهما، بعد حصولهما على جنسية الدولة التي يعيشان فيها. هل هذا يعد تبرءا من الأب؟ وهل يحق له التبرؤ منهم وحرمانهم من إرثه أم هذا الأمر يندرج تحت بند العقوق فقط ( عقوق الأب )؟ ما حكم الدين والشرع في هذا الأمر، علما بأن الأب عرض على الأم وأسرتها كل التنازلات من طرفه للإنفاق على الأبناء، ورؤيتهم لكنهم رفضوا بدعوى أنه سيسمم فكر الأبناء. وحتى يومنا هذا يرسل الايميلات للابن الأكبر يستعطفه ليراه، ولكن الابن يغلق حسابه على الإنترنت، ولا يرد. ثم سافر لرؤيته، فاشترط الابن أن يعتذر لأمه قبل أي كلام بينهما، فرفض الأب، وقال له(عبر وسطاء ) إنه لم يطلق أمه وهي التي سعت لذلك لتتزوج من صديقه الغني، فازداد الأمر سوء طبعا. أفيدونا أفادكم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أولاد هذا الرجل قد انتسبوا لغيره، فقد بالغوا في العقوق، وارتكبوا معصية من أكبر المعاصي. ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي ذَرٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُهُ - إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.
قال ابن حجر –رحمه الله- : فالمراد من استحل ذلك مع علمه بالتحريم، وعلى الرواية المشهورة فالمراد كفر النعمة. وظاهر اللفظ غير مراد، وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك، أو المراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلا شبيها بفعل أهل الكفر. فتح الباري لابن حجر.
لكن ذلك لا يبيح له التبرؤ من نسبهم، أو حرمانهم من حقهم في إرثه، بل الواجب عليه أن يسعى لإبطال هذا الانتساب الكاذب وينسب الأولاد إليه، وعليه أن يسعى لاستصلاح أولاده، وتعليمهم أمور دينهم، فإن بذل ما يقدر عليه ولم يتمكن من ذلك، فلا حرج عليه؛ قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}.
والله أعلم.