عنوان الفتوى : العمل في التجارة في العملات والفوركس
أود أن أشكركم على الموقع الجميل، جزاكم الله عنا خيرا. أود أن أسالكم يا أهل العلم عن مسألة: ما رأيكم في العيش من تجارة الفوركس، بالطبع مع الخضوع لشريعتنا الإسلامية؟ يعني فتح بيت وإعالة أسرة إن شاء الله؟ أنا مجاز ولكني عاطل عن العمل والحمد لله، وقد هداني الله جل وعلا إلى صلاة الفجر التي كنت معرضا عنها وأصبحت أهتم بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأحاول كسب محبة ربي سبحانه في كل أفعالي، وهذا من فضل ربي. وفكرت في أن التجارة بالعملات لا تتطلب الكثير من الوقت، خصوصا مع مواقع التجارة الاجتماعية (يمكن نقل العمليات التجارية أوتوماتيكيا من تجار آخرين بعد موافقتهم) وبالتالي سيكون لدي الوقت الكافي للعبادة الشيء الذي لا يتوفر في الوظيفة، بالإضافة للوقت الكافي لتعلم سنة نبينا، والعمل بها إن شاء الله. بعد صلاة الصبح أقرأ القرآن حتى طلوع الشمس، وأحس بالطمأنينة، وأخاف من زوال كل هذه العادات الطيبة. الحمد لله لم أعد أعطي أهمية للمظاهر كأن يكون لدي وظيفة مرموقة، رضا الله أهم. فهل أتوكل على الله، وأحسن ظني به ليوفقني في الاستمرار في هذه الفكرة، والتي أسأل الله أن تكون بداية طريقي إلى الفردوس. أعتذر عن الإطالة، وأتمنى أن لا أكون ضيعت وقتكم على سؤال ربما كان بسيطا، وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل لنا ولك الهداية والتوفيق، والرزق الحلال الطيب، فقد دلت النصوص الشرعية على أهمية توخي الحلال في المأكل، والمشرب، والملبس، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يارب يارب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له. رواه مسلم.
فهذا الرجل قد توفرت له كل أسباب إجابة الدعاء من سفر، ورفع اليدين إلى السماء، وقوله: يا رب، وهو أشعث مغبر، ومع ذلك لا يستجاب له، لأن كسبه محرم، ومطعمه حرام.
ولا يجوز للمسلم التكسب عن طريق الوسائل غير المشروعة، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت، وكل لحم نبت من السحت فالنار أولى به. رواه أحمد والدارمي. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 76157 .
ولا حرج في بيع وشراء العملات إذا انضبطت أمور بيعها بالضوابط الشرعية، ومنها: أن يتم التقابض في مجلس العقد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة....مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد. رواه مسلم من حديث عبادة بن الصامت.
والعملات ينطبق عليها هذا الحكم؛ لأنها قائمة مقام النقدين: الذهب والفضة؛ لأنها أصبحت ثمنا لكل مثمن، وقيمة لكل مقوم.
وانظر في ضوابط الصرف الفتاوى التالية أرقامها: 3702، 15672 ، 36620 ، 120693 .
وأما المتاجرة عن طريق نظام الفوركس، فإنه تكتنفه محاذير شرعية، وعلى رأس هذه المحاذير ما يسمى بنظام المارجن، والذي هو في حقيقته قرض جر نفعاً، ومن المحاذير كذلك ما يعرف بتبييت الصفقة، بالإضافة إلى عدم التحقق من تطبيق ضوابط الصرف. غير أنه إذا أمكن اجتناب المحاذير المترتبة على المتاجرة عن طريق ذلك النظام سيما في الربويات، فالأصل جواز البيع والشراء، لقوله تعالى: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة:275}.
وانظر الفتاوى أرقام: 130307 ، 174765 ، 181591 والفتاوى المربوطة بها .
والذي ننصحك به هو البعد عن المتاجرة في ذلك المجال لكثرة المحاذير فيه؛ ولأنه لا يسلم غالباً إن لم نقل قطعاً من الوقوع في المحاذير الشرعية كالربا، والغرر، والمقامرة وغيرها من الأمور المحرمة، فعلى المسلم أن يتجنب ما فيه ريبة، فقد روى الترمذي في سننه عن الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك .
وأبواب الكسب المشروع كثيرة وواضحة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق: 2، 3، 4].
وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم وتوجيهه للناس أن قال: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
قال الحافظ في الفتح: أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود. وصححه الألباني أيضاً.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 126193 .
والله أعلم.