عنوان الفتوى : شبهة حول بدعية الاحتفال بعيد الأم
ما الرد على هذا الكلام المتعلق ببدعة عيد الأم بكل أجزائه؟: هل معنى البدعة أي اختراع أم اختراع في الدين؟ فإذا كانت البدعة في كل شيء, فالحاسب الذي نتواصل عن طريقه بدعة وضلالة وفي النار؛ لأنه لم يكن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم, وكذا الكهرباء والجوال والبراد كلها مستحدثات, أما إذا كانت البدعة هي مجرد الأمور الشرعية, فإذا سمعنا شخصًا يزعم أن الاحتفال بعيد الأم من الإسلام وعليه أجر وثواب فساعتها سنقول له: هذا الكلام غير صحيح وبدعة, أما عيد الأم فهو حالة اجتماعية, وليست أمرًا دينيًا, وهذه الجملة: "العادات التي تتكرر بتكرر الأيام والأعوام وغير ذلك من المواسم داخلة في معنى العيد, وليس عندنا غير عيدين" ليست صحيحة؛ لأنا كل يوم ننزل ونركب سيارتنا, ونذهب للعمل – مثلًا - فهل هذا الشيء يسمى عيدًا؟ ولو التصق عيد الأم بالإسلام لكان بدعة؛ لأننا حينئذ أحدثنا عيدًا في الدين ليس منه, أما كونه احتفالية اجتماعية بين الناس, فلا علاقة له بالبدعة, وإلا فعلماء الموقع كلهم على ضلالة؛ لأنه يمارسون البدعة - التي هي النت - وهناك قاعدة أساسية في الإسلام تقول: "الضرورات تبيح المحظورات" وحفلة عيد الأم محظورة, وصلة الرحم ضرورة, والطرفان بالوسط - انتهت المعادلة -.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبدعة المذمومة في الشرع هي الاختراع في الدين, قال شيخ الإسلام: البدعة هي: الدين الذي لم يأمر الله به ورسوله، فمن دان دينًا لم يأمر الله ورسوله فهو مبتدع بذلك، وهذا معنى قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.
أما القول بأن عيد الأم حالة اجتماعية لا أمر ديني: فقائل هذا القول غاب عنه أن العيد شريعة من الشرائع، فإما أن يكون شرعه الله ورسوله, وإما أن يكون شرعه مشرع آخر غير الله ورسوله فيكون بدعة, فقد روى أبو داود عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر.
قال شيخ الإسلام معلقًا على حديث أنس هذا: فوجه الدلالة: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: "إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين"، والإبدال من الشيء، يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه.
وقال أيضًا - رحمه الله -: الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع، لا الابتداع, وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة: مثل يوم بدر، وحنين، والخندق، وفتح مكة، ووقت هجرته، ودخوله المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين, ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعيادًا, وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع, وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه. انتهى.
وفي هذا الكلام الأخير رد على من يجوّز اتخاذ عيد الأم بحجة الإحسان إليها والتذكير ببرها، فيقال لهم: إن كان ذلك يسوّغ إحداث عيد للأم لشرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، فهو أولى بالخير والدلالة عليه من هؤلاء.
وأما القول بأن جملة: "العادات التي تتكرر بتكرر الأيام والأعوام وغير ذلك من المواسم داخلة في معنى العيد" غير صحيحة بحجة وجود عادات للإنسان يفعلها كل يوم ولا تسمى عيدًا, فالجواب: أن عادات الإنسان اليومية لا يكون فيها اجتماع عام على وجه معتاد يتكرر في يوم معين كل سنة أو شهر أو نحوهما، ويكون في ذلك اليوم أعمال معينة، هذا هو مفهوم هذه الجملة.
قال شيخ الإسلام: العيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورًا:
منها: يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة. ومنها: اجتماع فيه. ومنها: أعمال تجمع ذلك من العبادات أو العادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه, وقد يكون مطلقًا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدًا. انتهى.
وأما الاستدلال بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وجعل حفلة عيد الأم محظورة، وصلة الرحم ضرورة, فالجواب عنه:
أولًا: هذا الاستدلال يؤكد أن الاحتفال بعيد الأم مقصود فيه صلة الرحم بالأم والبر بها فهو من الدين، وليس من الأمور الاجتماعية المحضة.
ثانيًا: مقصود هذه القاعدة أن وجود الضرر يبيح ارتكاب المحظورات، فمن أمثلة هذه القاعدة: إباحة الميتة والخنزير والخمر وغيرها لمن لا يجد بدًّا من أخذها, فهل نبيح الاحتفال بعيد الأم؛ لأننا لا نجد بدًّا من البر بالأم إلا بهذا الاحتفال المحظور؟!
قال الفتوحي في شرح الكوكب المنير: وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ "الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ" وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ" يَعْنِي أَنَّ وُجُودَ الضَّرَرِ يُبِيحُ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ، أَيْ: الْمُحَرَّمِ، بِشَرْطِ كَوْنِ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ أَخَفَّ مِنْ وُجُودِ الضَّرَرِ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ - بَلْ وَجَبَ - أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ, وَكَذَلِكَ إسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ وَبِالْبَوْلِ. انتهى.
ويضاف إلى ذلك أن هذا الاحتفال مأخوذ من سنن من كان قبلنا, ونحن مأمورون بمخالفة سننهم وسبيلهم.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 130821، 162725، 153595، 60944.
والله أعلم.