عنوان الفتوى : لزوم تحري مخالفة سنة وعادات الجاهلية
نحن هنا ببلاد المغرب العربي نحتفل يوم 11 من يناير من كل سنة بعيد يسمى: برأس السنة الفلاحية ونطبخ القمح مع الحبول ونحتفل ونأكل المكسرات ـ بجميع أنواعها ـ والاحتفال: أعني به تجمع العائلات وأكل الحبوب المطبوخة والمكسرات فقط ـ وبدون أي اعتقاد، وأظن أن هذه السنة الفلاحية تعود للسكان الأصليين للمغرب، فهل يدخل هذا في باب البدعة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعادات التي تتكرر بتكرر الأيام والأعوام وغير ذلك من المواسم داخلة في معنى العيد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: العيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورا:
منها: يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة.
ومنها: اجتماع فيه.
ومنها: أعمال تجمع ذلك من العبادات أو العادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه وقد يكون مطلقا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا. اهـ.
والأعياد مما تتميز به الأمم، ولذا جاءت الشريعة بالزجر عن الاحتفال بكل أعياد الجاهلية ـ بغض النظر عن أصلها ـ فعن أنس بن مالك قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى.
رواه النسائي وأبو داود وأحمد وصححه الألباني.
قال شيخ الإسلام: إن اليومين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين.
والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه.اهـ.
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل قوم عيدا.
قال ابن حجر: قوله لكل قوم أي من الطوائف. وقوله عيد: أي كالنيروز والمهرجان.
واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم، وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي ـ من الحنفية ـ فقال: من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى. اهـ.
وقد نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها عيد من أعياد الجاهلية؟.
رواه أبو داود، وصححه الألباني. وفي هذا دلالة واضحة على لزوم تحري مخالفة سنة الجاهلية، لاسيما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه. رواه البخاري.
قال شيخ الإسلام: فكل من أراد في الإسلام أن يعمل بشيء من سنن الجاهلية دخل في هذا الحديث، والسنة الجاهلية: كل عادة كانوا عليها.
فإن السنة هي العادة، وهي الطريق التي تتكرر لتتسع لأنواع الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة، فمن عمل بشيء من سننهم فقد اتبع سنة جاهلية. اهـ.
وقال ـ أيضا: اعتياد قصد المكان المعين في وقت معين عائد بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع هو بعينه معنى العيد ثم ينهى عن دق ذلك وجله. اهـ.
وبهذا يعلم السائل الكريم أن الاحتفال باليوم المذكور في السؤال لا يجوز حتى ولو كان دون أي اعتقاد، وأنه لا يلزم من كون الشيء لا يدخل في مسمى البدعة شرعا أن فعله جائز، فهناك علل أخرى للتحريم، كالعمل بسنة الجاهلية والتشبه بغير المسلمين.
وراجع ـ لمزيد الفائدة ـ الفتاوى التالية أرقامها: 17687، 4586، 119796.
والله أعلم.