أرشيف المقالات

الخلع بلفظ الطلاق

مدة قراءة المادة : 40 دقائق .
الخلع بلفظ الطلاق


قوله: (والخلع بلفظ صريح الطلاق، أو كنايته طلاق بائن...) إلى آخره[1].
قال في "المقنع": "والخلع طلاق بائن إلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة، ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخًا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين[2]، وفي الرواية الأخرى[3]: هو طلاق بائن بكل حال، ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ولو واجهها به، وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين، وفي الآخر: يصح الشرط ويبطل العوض"[4].

قال في "الحاشية": "قوله: (والخلع طلاق بائن...) إلى آخره.
اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع إذا لم ينوِ به الطلاق، فرُوي عنه: أنه فسخ، وهو المذهب[5]، رُوي عن ابن عباس وطاوس وعكرمة وإسحاق وأبي ثور وهو أحد قولي الشافعي[6].
وعنه[7]: أنه طلقة بائنة بكل حالة، رُوي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وقبيصة وشريح ومجاهد وأبي سلمة والنخعي والزهري والشعبي ومكحول ومالك[8] والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي[9].

ولنا: ما احتج به ابن عباس، وهو قوله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ [البقرة: 229] ثم قال: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229] ثم قال: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ﴾...
الآية [البقرة: 230] فذكر تطليقتين والخلع وتطليقة بعدها، فلو كان الخلع طلاقًا لكان أربعًا[10].
تنبيه: من شرط وقوع الخلع فسخًا ألا ينوي به الطلاق، فإن نوى به الطلاق وقع طلاقًا على الصحيح من المذهب[11].
وعنه[12]: هو فسخ ولو نوى به الطلاق، واختاره الشيخ تقي الدين.
وألا يوقعه بصريح الطلاق، فإن أوقعه بصريح الطلاق كان طلاقًا على المذهب[13].
وقيل[14]: هو فسخ ولو أتى بصريح الطلاق إذا كان بعوض، واختاره الشيخ تقي الدين"[15].

وقال في "الإفصاح": "واختلفوا في الخلع هل هو فسخ أو طلاق؟
فقال أبو حنيفة[16] ومالك[17] وأحمد في إحدى روايتيه[18]: هو طلاق بائن.
وعن أحمد رواية أخرى[19]: أنه فسخ وليست بطلاق، وهي أظهرهما.
وعن الشافعي[20] قولان كالمذهبين.
واتفقوا على أنه يصح الخلع مع استقامة الحال بين الزوجين[21].

واختلفوا هل يكره الخلع بأكثر من المسمى؟
فقال مالك[22] والشافعي[23]: لا يكره ذلك.
وقال أبو حنيفة[24]: إن كان النُّشُوز من قبلها فيكره للزوج أن يأخذ أكثر من المسمى، وإن كان من قبله فيكره له أخذ شيء ما عوضًا[25] عن الخلع، ويصح مع الكراهية في كلا الحالين.
وقال أحمد[26]: يُكره الخلع على أكثر من المسمى، سواء كان النشوز من قبلها أو من قبله، إلا أنه على كراهيته يصح عنده.

واختلفوا في الرجل إذا طلق زوجته المختلعة منه:
فقال أبو حنيفة[27]: يلحقها طلاقها في مدة العدة إذا قال لها: أنت طالق، أو اعتدي، أو استبرئي رحمك، أو أنت واحدة، ولا يلحقها مرسل الطلاق وكناياته.
وقال مالك[28]: إن طلقها عقيب خلعه متصلًا بالخلع طلقت، وإن انفصل الطلاق عن الخلع لم تطلق.
وقال الشافعي[29] وأحمد[30]: لا يلحقها الطلاق بحال.
واتفقوا على أنه إذا خالعها على رضاع ولدها سنتين جاز له ذلك[31].
فإن مات ولدها قبل الحولين، فقال أبو حنيفة[32] وأحمد[33]: يرجع عليها بقيمة الرضاع للمدة المشروطة.
وقال مالك[34]: لا يرجع بشيء في إحدى الروايتين عنه، والأخرى كمذهب أبي حنيفة وأحمد.

وللشافعي فيها قولان[35]:
أحدهما: يسقط الرضاع، ولا يقوم غير الولد مقامه.
والثاني: لا يسقط الرضاع، بل يأتيها بولد آخر مثله تُرضعه، فعلى القول الأول إلى ماذا ترجع، إلى مهر المثل و إلى أُجرة الرضاع؟ قولان:
جديدهما: ترجع إلى مهر المثل.
وقديمهما: إلى أُجرة الرضاع.

واختلفوا هل يملك الأب أن يُخالع عن ابنته الصغيرة بشيء من مالها؟
فقال أبو حنيفة[36] والشافعي[37] وأحمد[38]: لا يملك ذلك.
وقال مالك[39]: يملك ذلك"[40].

وقال في "الاختيارات": "اختلف كلام أبي العباس في وجوب الخُلع لسوء العشرة بين الزوجين...
إلى أن قال: ولو عضلها لتفتدي نفسها منه ولم تكن زنت حَرُمَت[41] عليه.
قال ابن عقيل: والعوض مردود، والزوجة بائن.
وخلع الحُبلى لا يصح، كما لا يصح نكاح المُحلل، ويجوز الخلع عند الأئمة الأربعة والجمهور من الأجنبي[42]...
إلى أن قال: والتحقيق: أنه يصح ممن يصح طلاقه بالملك، أو الوكالة، أو الولاية كالحاكم في الشِّقاق، وكذا لو فعله الحاكم في الإيلاء، أو العُنَّة، أو الإعسار، أو غيرها من المواضع التي يملك الحاكم الفُرقة، والأظهر: أن المرأة إذا كانت تحت حجر الأب أن له أن يُخالع بمالها إذا كان لها فيه مصلحة، ويوافق ذلك بعض الروايات عن أحمد[43]، وتُخرج على أصول لأحمد"[44] انتهى ملخصًا.

وقال أيضًا: "وإذا قال لزوجته: إن أبرأتيني فأنت طالق، فقالت: أبرأك الله مما تدعي النساء على الرجال، فقال: أنت طالق، فظن أنه يبرأ من الحقوق فإنه يبرأ مما تدعي النساء على الرجال إن كانت رشيدة"[45].
وقال في "المقنع" أيضًا: "وإن علَّق طلاقها بصفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت، نصَّ عليه[46].
ويتخرج: ألا تطلق بناء على الرواية في العتق، واختاره أبو الحسن التميمي، وإن لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة"[47] [48].
قال في "الحاشية": "قوله: (وإن علَّق طلاقها...) إلى آخره، هذا المذهب[49]، ويتخرج ألا تطلق، وهو قول أكثر أهل العلم.
قال ابن المنذر[50]: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثًا إن دخلت الدار، فطلقها ثلاثًا، ثم نكحت غيره، ثم نكحها الحالف، ثم دخلت الدار: أنه لا يقع عليها الطلاق.
وهذا مذهب مالك[51] والشافعي[52] وأصحاب الرأي[53]؛ لأن طلاق ذلك الملك تقضَّى[54].
فإن أبانها دون الثلاث، فوجدت الصفة، ثم تزوجها؛ انحلت يمينه في قولهم، وإن لم توجد الصفة في البينونة؛ ثم نكحها، لم تنحل في قول مالك[55] وأصحاب الرأي[56]، وأحد أقوال الشافعي[57].

وله قول آخر[58]: لا تعود الصفة بحال، واختاره المزني وأبو إسحاق؛ لأن الإيقاع وُجد قبل النكاح فلم يقع كما لو علَّقه بالصفة قبل أن يتزوج بها، فإنه لا خلاف في أنه لو قال لأجنبية: أنت طالق إذا دخلت الدار ثم تزوجها ودخل الدار لم تطلق، وهذا في معناه.
ولنا[59]: أن عقد الصفة ووقوعها وُجد في النكاح فيقع، أو كما لو بانت بما دون الثلاث عند مالك وأبي حنيفة.
وقولهم: إن هذا طلاق قبل نكاح، قلنا: يبطُل بما إذا لم يكمل بالثلاث.
وقوله: تنحل الصفة بفعلها، قلنا: إنما تنحل بفعلها على وجه يحنثُ به؛ وذلك لأن لليمين حلًا وعقدًا، ثم ثبت أن عقدها يفتقر إلى الملك، فكذلك حلها لا يحصل بفعلها حال بينونتها فلا تنحل اليمين به.

قوله: (وإن لم توجد الصفة...) إلى آخره، هذا المذهب[60]؛ لأن اليمين لم تنحل لكون الصفة في حال البينونة لم تُوجد، فإذا وجدت الصفة بعد التزويج وجب ألا تعمل عملها كما لو لم تكن بينونة.
وذكر الشيخ تقي الدين رواية[61]: أن الصفة لا تعود مُطلقًا، يعني: سواء وجدت في حال البينونة أو لا، وهو قول أكثر أهل العلم كما تقدم في كلام ابن المنذر، وهو الصحيح في منهاج الشافعية"[62].

وقال البخاري: "(باب الخلع وكيف الطلاق فيه؟).
وقوله عز وجل: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾...
إلى قوله: ﴿ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229] وأجاز عمر الخلع دون السلطان، وأجاز عثمان الخلع دون عِقاص رأسها.
وقال طاوس: ﴿ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 229] فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة، ولم يقل قول السفهاء لا يحل حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة.
حدثنا أزهر بن جميل، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خُلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتردِّين عليه حديقته؟) قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)، قال أبو عبد الله: لا يُتابع فيه عن ابن عباس[63].
حدثني إسحاق الواسطي، حدثنا خالد، عن خالد الحذَّاء، عن عكرمة: أن أخت عبد الله بن أُبي...
بهذا، وقال: (تردين حديقته)، قالت: نعم، فردتها وأمره يُطلقها.
وقال إبراهيم بن طهمان: عن خالد، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وطلقها)[64].

وعن أيوب بن أبي تميمة، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني لا أعتب على ثابت في دين ولا خلق، ولكني لا أُطيقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتردين عليه حديقته؟"، قالت: نعم[65].
حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، حدثنا قُراد أبو نوح، حدثنا جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خُلق إلا أني أخاف الكفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتردِّين عليه حديقته" [فقالت: نعم] فردَّت عليه، وأمره ففارقها[66].
حدثنا سليمان، حدثنا حماد، عن أيوب، عن عكرمة: أن جميلة...
فذكر الحديث"[67].
قال الحافظ: "قوله: باب الخلع، وهو في اللغة فراق الزوجة على مال، مأخوذ من خلع الثوب؛ لأن المرأة لباس الرجل معنى، وضُمَّ مصدره تفرقة بين الحسي والمعنوي.
وذكر أبو بكر بن دريد في "أماليه": أنه أول خلع كان في الدنيا أن عامر بن الظرب زوَّج ابنته من ابن أخيه عامر بن الحارث بن الظرب، فلما دخلت عليه نفرت منه فشكا إلى أبيها، فقال: لا أجمع عليك فراق أهلك ومالك، وقد خلعتها منك بما أعطيتها.
قال: فزعم العلماء أن هذا كان أول خلع في العرب.

قال الحافظ: وأما أول خُلع في الإسلام فسيأتي ذكره بعد قليل، ويُسمى أيضًا فدية وافتداء.
وأجمع العلماء على مشروعيته[68]، إلا بكر بن عبد الله المزني التابعي المشهور، فإنه قال: لا يحلُّ للرجل أن يأخذ من امرأته في مُقابل فراقها شيئًا؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [النساء: 20] فأوردوا عليه: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229] فادعى نسخها بآية النساء، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه.
وتُعقب - مع شذوذه - بقوله تعالى في النساء أيضًا: ﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ ﴾ [النساء: 4] وبقوله: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا ﴾...
الآية [النساء: 128] وبالحديث، وكأنه لم يثبت عنده أو لم يبلغه.
وانعقد الإجماع بعده على اعتباره، وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الآخرتين.
وضابطه شرعًا: فراق الرجل زوجته ببذل قابل للعوض، يحصل لجهة الزوج، وهو مكروه إلا في حال مخالفة ألا يقيما أو واحد منهما ما أمر به.
وقد ينشأ ذلك عن كراهة العِشرة، إما لسوء خُلُق أو خَلْق، وكذا ترفع الكراهة إذا احتاجا إليه؛ خشية حنث يؤول إلى البينونة الكبرى.

قوله: وكيف الطلاق فيه؟ أي: هل يقع الطلاق بمجرده أو لا يقع حتى يذكر الطلاق إما باللفظ وإما بالنية؟ وللعلماء فيما إذا وقع الخلع مجردًا عن الطلاق لفظًا ونية ثلاثة آراء: وهي أقوال للشافعي[69]:
أحدها: ما نصَّ عليه في أكثر كتبه الجديدة: أن الخلع طلاق، وهو قول الجمهور[70]، فإذا وقع بلفظ الخلع وما تصرَّف منه نقص العدد، وكذا إن وقع لغير لفظه مقرونًا بنيته.
وقد نصَّ الشافعي في "الإملاء": على أنه من صرائح الطلاق، وحجة الجمهور: أنه لفظ لا يملكه إلا الزوج فكان طلاقًا، ولو كان فسخًا لما جاز على غير الصداق كالإقالة، لكن الجمهور على جوازه بما قل وكثر، فدل على أنه طلاق.

والثاني: وهو قول الشافعي في القديم[71]، وذكره في "أحكام القرآن" من الجديد: أنه فسخ وليس بطلاق، وصحَّ ذلك عن ابن عباس، أخرجه عبد الرزاق[72]، وعن ابن الزبير.
ورُوي عن عثمان وعلي وعكرمة وطاوس، وهو مشهور مذهب أحمد[73]، وسأذكر في الكلام على شرح حديث الباب ما يُقويه.
وقد استشكله إسماعيل القاضي بالاتفاق على أن من جعل أمر المرأة بيدها ونوى الطلاق فطلَّقت نفسها طلقت.
وتُعُقِّب: بأن محل الخلاف ما إذا لم يقع لفظ طلاق ولا نية، وإنما وقع لفظ الخلع صريحًا، أو ما قام مقامه من الألفاظ مع النية فإنه لا يكون فسخًا تقع به الفرقة، ولا يقع به طلاق.

واختلف الشافعية[74] فيما إذا نوى بالخلع الطلاق، وفرَّعنا على أنه فسخ هل يقع الطلاق أو لا؟
ورجَّح الإمام عدم الوقوع، واحتج بأنه صريح في بابه وجد نفاذًا في محله، فلا ينصرف بالنية إلى غيره، وصرَّح أبو حامد والأكثر بوقوع الطلاق، ونقله الخوارزمي عن نص القديم، قال: هو فسخ لا ينقص عدد الطلاق إلا أن ينويا به الطلاق.
ويخدش فيما اختاره الإمام: أن الطحاوي نقل الإجماع على أنه إذا نوى بالخلع الطلاق وقع الطلاق[75]، وأن محل الخلاف فيما إذا لم يُصرح بالطلاق ولم ينوه.

والثالث: إذا لم ينوِ الطلاق لا يقع به فرقة أصلًا[76].
ونص عليه في "الأم"[77]، وقواه السبكي من المتأخرين، وذكر محمد بن نصر المروزي في كتاب "اختلاف العلماء"[78]: أنه آخر قولي الشافعي...
إلى أن قال: قال ابن بطال[79]: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاه[80].
وقال مالك: لم أر أحدًا ممن يُقتدى به يمنع ذلك، لكنه ليس من مكارم الأخلاق، وسيأتي ذكر حجة القائلين بعدم الزيادة في الكلام على حديث الباب.
قوله: ما أعتُب عليه: بضم المثناة من فوق ويجوز كسرها من العتاب.
وفي رواية بكسر العين بعدها تحتانية ساكنة من العيب، وهي أليق بالمراد.
قوله: في خُلق ولا دين، أي: لا أُريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه.
زاد في رواية أيوب: (ولكني لا أطيقه).
زاد في رواية الإسماعيلي: (بغضًا)...
إلى أن قال: وأخرج عبد الرزاق، عن معمر قال: بلغني أنها قالت: يا رسول الله، بي من الجمال ما ترى وثابت رجل دميم[81].

وفي رواية معتمر بن سليمان، عن فضيل، عن أبي جرير، عن عكرمة، عن ابن عباس: أول خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بن قيس، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدًا، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادًا، وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهًا، فقال: (أتردين عليه حديقته؟) قالت: نعم، وإن شاء زدته، ففرق بينهما[82].
قوله: ولكني أكره الكفر في الإسلام، أي: أكره إن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر.
قوله: (أتردين عليه حديقته؟) أي: بستانه، وكان تزوجها على حديقة نخل، قالت: نعم.
قوله: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب.
ووقع في رواية جرير بن حازم: فردَّت عليه وأمره بفراقها.
واستُدل بهذا السياق على أن الخلع ليس بطلاقٍ وفيه نظر؛ فليس في الحديث ما يُثبت ذلك، ولا ما ينفيه، فإن قوله: (طلقها...) إلى آخره يحتمل أن يراد: طلقها على ذلك، فيكون طلاقًا صريحًا على عوض، وليس البحث فيه، إنما الاختلاف فيما إذا وقع لفظ الخلع، أو ما كان في حكه من غير تعرض لطلاق بصراحة ولا كناية، هل يكون الخلع طلاقًا أو فسخًا؟
وكذلك ليس فيه التصريح بأن الخلع وقع قلب الطلاق أو بالعكس، نعم في رواية خالد المرسلة ثانية أحاديث الباب: فردتها، وأمره فطلقها، وليس صريحًا في تقديم العطية على الأمر بالطلاق، بل يحتمل أيضًا أن يكون المراد: إن أعطتك طلقها، وليس فيه أيضًا التصريح بوقوع صيغة الخلع.

ووقع في مرسل أبي الزبير عند الدارقطني: فأخذ ماله[83] وخلَّى سبيلها[84].
وفي حديث حبيبة بنت سهل: فأخذها منها، وجلست في أهلها[85]، لكن معظم الروايات في الباب تسميته خُلعًا.
ففي رواية عمرو بن مسلم، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنها اختلعت من زوجها.
أخرجه أبو داود والترمذي[86].
قوله: قال أبو عبد الله: لا يُتابع فيه عن ابن عباس، أي: لا يُتابع أزهر بن جميل على ذكر ابن عباس في هذا الحديث، بل أرسله غيره، ومراده بذلك: خصوص طريق خالد الحذَّاء عن عكرمة...
إلى أن قال: وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: أن الشقاق إذا حصل من قبل المرأة فقط جاز الخُلع والفدية، ولا يتقيد ذلك بوجوده منهما جميعًا، وأن ذلك يُشرع إذا كرهت المرأة عشرة الرجل، ولو لم يكرهها، ولم ير منها ما يقتضي فراقها.

وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين: لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلًا، أخرجه ابن أبي شيبة[87]، وكأنهما لم يبلغهما الحديث.
واستدل ابن سيرين بظاهر قوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [النساء: 19].
وتُعُقِّب: بأن آية البقرة فسَّرت المراد بذلك مع ما دل عليه الحديث.
ثم ظهر لي لما قاله ابن سيرين توجيهٌ، وهو تخصيصه بما إذا كان ذلك من قبل الرجل بأن يكرهها وهي لا تكرهه فيضاجرها لتفتدي منه، فوقع النهي عن ذلك، إلا أن يراها على فاحشة ولا يجد بينة، ولا يحب أن يفضحها، فيجوز حينئذ أن يفتدي منها، ويأخذ منها ما تراضيا عليه ويُطلقها، فليس في ذلك مخالفة للحديث؛ لأن الحديث ورد فيما إذا كانت الكراهة من قبلها.

وفيه: أن المرأة إذا سألت زوجها الطلاق على مال فطلقها وقع الطلاق، فإن لم يقع الطلاق صريحًا ولا نوياه ففيه الخلاف المتقدم من قبل.
واستدل لمن قال بأنه فسخٌ بما وقع في بعض طرق حديث الباب من الزيادة، ففي رواية عمرو بن مسلم، عن عكرمة، عن ابن عباس عند أبي داود والترمذي في قصة امرأة ثابت بن قيس فأمرها أن تعتد بحيضةٍ[88]...
إلى أن قال: قال الخطابي[89]: في هذا أقوى دليل لمن قال: إن الخلع فسخ وليس بطلاق؛ إذ لو كان طلاقًا لم تكتف بحيضة للعدة.
قال الحافظ: وقد قال الإمام أحمد[90]: إن الخُلع فسخٌ.
وقال في رواية: وإنها لا تحل لغير زوجها حتى يمضي ثلاثة أقراء، فلم يكن عنده بين كونه فسخًا وبين النقص من العدة تلازم، واستدل به على أن الفدية لا تكون إلا بما أعطى الرجل المرأة عينًا أو قدرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته).
وقد وقع في رواية سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس في آخر حديث الباب عند ابن ماجه والبيهقي: فأمره أن يأخذ منها ولا يزداد[91]"[92] انتهى مُلخصًا.



[1] الروض المربع ص 409.



[2] شرح منتهى الإرادات 5/ 340 - 341، وكشاف القناع 12/ 141.


[3] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 31.



[4] المقنع 3/ 117 - 118.



[5] شرح منتهى الإرادات 5/ 340 - 341، وكشاف القناع 12/ 141.


[6] تحفة المحتاج 7/ 477، ونهاية المحتاج 6/ 405.



[7] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 31.


[8] الشرح الصغير 1/ 441، وحاشية الدسوقي 2/ 356.



[9] فتح القدير 3/ 199، وحاشية ابن عابدين 3/ 462.



[10] في الأصل: "رابعًا"، والمثبت من حاشية المقنع.



[11] شرح منتهى الإرادات 5/ 340 - 341، وكشاف القناع 12/ 141.


[12] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 31.



[13] شرح منتهى الإرادات 5/ 340 - 341، وكشاف القناع 12/ 141.


[14] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 31 - 32.


[15] انظر: حاشية المقنع 3/ 118، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 22/ 29 - 31.


[16] فتح القدير 3/ 199، وحاشية ابن عابدين 3/ 462.



[17] الشرح الصغير 1/ 441، وحاشية الدسوقي 2/ 356.



[18] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 31.



[19] شرح منتهى الإرادات 5/ 340 - 341، وكشاف القناع 12/ 141 - 142.



[20] المهذب 2/ 92، وتحفة المحتاج 7/ 476 - 477، ونهاية المحتاج 6/ 405.



[21] فتح القدير 3/ 199.
والمنتقى شرح الموطأ 4/ 61.
ونهاية المحتاج 6/ 393.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 336، وكشاف القناع 12/ 134.


[22] الشرح الصغير 1/ 445، وحاشية الدسوقي 2/ 355.



[23] الأم 5/ 219، والمهذب 2/ 95، وتحفة المحتاج 7/ 473، ونهاية المحتاج 6/ 402 - 403.


[24] فتح القدير 3/ 203 - 204.


[25] في الأصل: "عوض"، والصواب: عوضًا.



[26] شرح منتهى الإرادات 5/ 344، وكشاف القناع 12/ 148.



[27] فتح القدير 3/ 221.



[28] المدونة 2/ 346، والمنتقى شرح الموطأ 4/ 68، وحاشية الدسوقي 2/ 385.



[29] المهذب 2/ 94، وتحفة المحتاج 8/ 42، ونهاية المحتاج 6/ 451.



[30] شرح منتهى الإرادات 5/ 343، وكشاف القناع 12/ 144.



[31] فتح القدير 3/ 218، وحاشية ابن عابدين 3/ 478.
والشرح الصغير 1/ 442، وحاشية الدسوقي 2/ 357.
وتحفة المحتاج 7/ 480.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 345، وكشاف القناع 12/ 151.



[32] فتح القدير 3/ 218، وحاشية ابن عابدين 3/ 479.



[33] شرح منتهى الإرادات 5/ 346، وكشاف القناع 12/ 152.


[34] المنتقى شرح الموطأ 4/ 62، والشرح الصغير 1/ 442، وحاشية الدسوقي 2/ 357 - 358.


[35] المهذب 2/ 93 - 94.



[36] فتح القدير 3/ 218، وحاشية ابن عابدين 3/ 480.


[37] تحفة المحتاج 7/ 501، ونهاية المحتاج 6/ 419.



[38] شرح منتهى الإرادات 5/ 339، وكشاف القناع 12/ 137.



[39] الشرح الصغير 1/ 442، وحاشية الدسوقي 2/ 348.



[40] الإفصاح 3/ 202 - 205.


[41] كذا في الأصل، وفي الاختيارات: "حرم".



[42] فتح القدير 3/ 219، وحاشية ابن عابدين 3/ 482.
والشرح الصغير 1/ 441، وحاشية الدسوقي 2/ 347.
وتحفة المحتاج 7/ 474، ونهاية المحتاج 6/ 403.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 337 - 338، وكشاف القناع 12/ 137 - 138.



[43] كذا في الأصل، وفي الاختيارات: "مالك".



[44] الاختيارات الفقهية ص 250 - 252.


[45] الاختيارات الفقهية ص 258.



[46] شرح منتهى الإرادات 5/ 361، وكشاف القناع 12/ 171.



[47] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 120 - 121.



[48] المقنع 3/ 130 - 131.



[49] شرح منتهى الإرادات 5/ 361، وكشاف القناع 12/ 171.



[50] الإجماع 416.



[51] الشرح الصغير 1/ 455، وحاشية الدسوقي 2/ 375 - 376.


[52] تحفة المحتاج 8/ 43، ونهاية المحتاج 6/ 451.



[53] المبسوط 6/ 93، وفتح القدير 3/ 134، وحاشية ابن عابدين 3/ 372.


[54] كذا في الأصل، وفي حاشية المقنع: "انقضى".



[55] الشرح الصغير 1/ 455، وحاشية الدسوقي 2/ 375 - 376.



[56] المبسوط 6/ 96، وفتح القدير 3/ 134، وحاشية ابن عابدين 3/ 372.



[57] تحفة المحتاج 8/ 43، ونهاية المحتاج 6/ 451.



[58] تحفة المحتاج 8/ 43، ونهاية المحتاج 6/ 451.



[59] شرح منتهى الإرادات 5/ 361، وكشاف القناع 12/ 171.



[60] شرح منتهى الإرادات 5/ 361، وكشاف القناع 12/ 171.


[61] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 123.



[62] انظر: حاشية المقنع 3/ 130 - 131، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 22/ 119 - 132.


[63] البخاري 5273.



[64] البخاري 5274.



[65] البخاري 5275.



[66] البخاري 5276.



[67] البخاري 5277.


[68] الإجماع لابن المنذر ص 104 423.
لكن ردَّه ابن حزم ص 130، وانظر: فتح القدير 3/ 199، وحاشية ابن عابدين 3/ 463.
والشرح الصغير 1/ 441، وحاشية الدسوقي 2/ 347.
وتحفة المحتاج 7/ 457 - 458، ونهاية المحتاج 6/ 393.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 335، وكشاف القناع 12/ 133.


[69] المهذب 2/ 92، وتحفة المحتاج 7/ 476 - 477، ونهاية المحتاج 6/ 405.


[70] فتح القدير 3/ 199، وحاشية ابن عابدين 3/ 462.
والشرح الصغير 1/ 441، وحاشية الدسوقي 2/ 356، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 31.


[71] تحفة المحتاج 7/ 477، ونهاية المحتاج 6/ 405.



[72] 6/ 486 11770.



[73] شرح منتهى الإرادات 5/ 340 - 341، وكشاف القناع 12/ 141 - 142.


[74] المهذب 2/ 92، وتحفة المحتاج 7/ 464 - 465، ونهاية المحتاج 6/ 398.


[75] فتح القدير 3/ 200، وحاشية ابن عابدين 3/ 462.
والشرح الصغير 1/ 441، وحاشية الدسوقي 2/ 347.
وتحفة المحتاج 7/ 479، ونهاية المحتاج 6/ 405.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 336، وكشاف القناع 12/ 140.


[76] المهذب 2/ 92.



[77] الأم 5/ 211.



[78] ص 302.



[79] شرح صحيح البخاري 7/ 422 - 423.


[80] فتح القدير 3/ 203 - 204، وحاشية ابن عابدين 3/ 468.
والشرح الصغير 1/ 441، وحاشية الدسوقي 2/ 355.
وتحفة المحتاج 7/ 474، ونهاية المحتاج 6/ 402.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 344، وكشاف القناع 12/ 148 - 149.


[81] مصنف عبد الرزاق 6/ 483 11759.



[82] رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 461.


[83] "فأخذ ماله" كذا في الأصل، وفي الفتح وسنن الدارقطني: "فأخذها له".



[84] سنن الدارقطني 3/ 255 39.
ورواه أيضًا عبد الرزاق 6/ 502 11843.


[85] أخرجه أبو داود 2227، والنسائي 6/ 169، وأحمد 6/ 433، من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية، به.

قال ابن عبد البر في التمهيد 23/ 367: حديث صحيح ثابت مُسند متصل.



[86] رواه أبو داود 2229، والترمذي 1185.

قال الترمذي: حديث حسن غريب.



[87] ابن أبي شيبة 5/ 107.


[88] أبو داود 2228، والترمذي 1185.



[89] معالم السنن 3/ 144 2137.



[90] شرح منتهى الإرادات 5/ 341، وكشاف القناع 12/ 141.


[91] ابن ماجه 2056، والبيهقي 7/ 313.
وصححه ابن حجر في الدراية 2/ 75 581.


[92] فتح الباري 9/ 395 - 402.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣