عنوان الفتوى : الضرائب والجمارك
ما حكم أداء الجمارك والضرائب؟
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد: –
فالأصل أن لا توضع ضرائب ولا جمارك ولا إتاوات على المسلمين إلا إذا دعت إليها ضرورة شرعية أو حاجة ملحَّة، كأن يعجز بيت المال أو خزينة الدولة عن تيسير وتسهيل الخدمات، وما يصلح شؤون الرعية، أو أن توضع هذه الجبايات للحد من الإسراف والتجاوز والتعدي على المال والحق العام ونحو ذلك، وفي كل حال يتعين أن تكون الجباية -إذا وضعت- غير ظالمة أو مكلِفة أو مرهقة لأوساط الناس وضعفائهم.
ولا يمكن الفتوى بالتلاعب في الأسعار فرارا من الجمارك أو الضرائب – حتى لو كانت الجمارك والضرائب في أصلهما حراما- للأسباب الآتية:-
1- هذه الإتاوات الموضوعة يتحملها – في الأخير – الزبائن ، وليست الشركات التجارية ، فإن جواز الفتوى بالتلاعب في الأسعار لرفع الجمارك كلها أو بعضها، فهذا سيئول إلى أحد أمرين :-
الأمر الأول :- أن تنافسوا السوق، فتبيعوا بضائعكم بأقل مما يبيعها أقرانكم ممن يتحملون الجمارك.
الأمر الثاني :- أن تبيعوا بضائعكم بسعر مثلها في السوق ، فيكون الرابح بما خصم من الجمارك أنتم ، وليس الزبائن.
أما في الحالة الأولى، فنكون قد ظلمنا الشركات المماثلة إذ نكون كلفناها من أمرها شططا، ووضعنا عنكم هذه الآصار.
وأما في الحالة الثانية، فنكون قد ظلمنا الشركات المماثلة مرتين، إذ نكون كلفناها من أمرها شططا، وحرمناها من منافستكم ، فيئول هذا إلى أن يدفعوا هم الجمارك وحدهم، وتبيعوا وتربحوا أنتم وحدكم، وفي هذا ما فيه من ظلم بالغ تأباه الشريعة ، وترده نصوصها.
وأما إذا كانت الفائدة ستعود على الزبائن دون أن يتضرر بقية الباعة المنافسين فقد يجوز الأمر .
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :-
المظالم المشتركة ” التي تطلب من الشركاء مثل المشتركين في قرية أو مدينة إذا طلب منهم شيء يؤخذ على أموالهم أو رءوسهم : مثل الكلف السلطانية التي توضع عليهم كلهم ؛ إما على عدد رءوسهم أو عدد دوابهم أو عدد أشجارهم أو على قدر أموالهم كما يؤخذ منهم أكثر من الزكوات الواجبة بالشرع أو أكثر من الخراج الواجب بالشرع أو تؤخذ منهم الكلف التي أحدثت في غير الأجناس الشرعية ، كما يوضع على المتبايعين للطعام والثياب والدواب والفاكهة وغير ذلك : يؤخذ منهم إذا باعوا . ويؤخذ ذلك تارة من البائعين . وتارة من المشترين … فهؤلاء المكرَهون على أداء هذه الأموال عليهم لزوم العدل فيما يطلب منهم وليس لبعضهم أن يظلم بعضا فيما يطلب منهم ؛ بل عليهم التزام العدل فيما يؤخذ منهم بغير حق ، كما عليهم التزام العدل فيما يؤخذ منهم بحق ، فإن هذه الكلف التي أخذت منهم بسبب نفوسهم وأموالهم هي بمنزلة غيرها بالنسبة إليهم .
وإنما يختلف حالها بالنسبة إلى الأخذ فقد يكون أخذا بحق وقد يكون أخذا بباطل . وأما المطالبون بها فهذه كلف تؤخذ منهم بسبب نفوسهم وأموالهم فليس لبعضهم أن يظلم بعضا في ذلك ، بل العدل واجب لكل أحد على كل أحد في جميع الأحوال والظلم لا يباح شيء منه بحال حتى إن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يعدلوا على الكفار في قوله تعالى : { كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } . والمؤمنون كانوا يعادون الكفار بأمر الله فقال تعالى [ مبينا ] : لا يحملكم بغضكم للكفار على أن لا تعدلوا عليهم بل اعدلوا عليهم فإنه أقرب للتقوى . وحينئذ فهؤلاء المشتركون ليس لبعضهم أن يفعل ما به ظلم غيره.
والله أعلم .