عنوان الفتوى : ليس كل ابتسام استهزاء وليست كل سخرية كفرا
في البداية أخبركم أن لدي وسواسا في أمر الاستهزاء بالدين، بدأ الأمر بأن يوسوس لي الشيطان أن أبتسم من الملتزمين عندما أراهم ولا يذهب إلاّ بعد عسر شديد، مازال هذا الوسواس معي لكن ليس كالسابق (وأعلمكم أني اطّلعت على جميع الفتاوى المتعلقة بالوسواس الذي أعاني منه في موقعكم تقريبا، واستفدت منها كثيرا- جزاكم الله خيرا- فقد وجدت حالات كثيرة أشبهها. ما زلت لحد الآن أعتقد أن كثيرا من الحوارات التي أسمعها سواء في المنزل أو خارجه استهزاء، ثم أرى أنها غير ذلك، فأغلب الناس في مجتمعي يحبون المزاح كثيرا. وليس هذا هو الأخطر، بل هناك ما هو أكبر منه، فيوسوس لي الشيطان مثلا إذا رأيت سجادة أن أدوس على موضع السجود والعياذ بالله، وكأنه يتحكم بأعضائي، لكنّ هذا لم يحدث والحمد لله. لكن كما أخبرتكم أني أصبحت أعتقد كثيرا من الأمور وسواسا، وهي ليست كذلك، فمرة اعتقدت(لكن الأمر لم يكن كذلك) بأنني إن فعلت أمرا قد أكفر؛ لأنه استهزاء(والله لا أعلم إن كنت جزمت بوقوع الكفر بهذا الفعل أم لا ؟ فلأنني أفكر كثيرا في هذا الأمر، أصبحت إن أردت تذكر هذا النوع من الأحداث أصاب بعجز وانقباض في رأسي) المهم وسوس لي الشيطان أن أفعله، ففعلته وأنا كارهة له، بقيت مستمرة في ذلك الفعل، وأنا نادمة بشدة. وعندما انتهيت بكيت، والله كرهت هذا الوسواس، لا أخمن أغلب الوقت إلاّ فيه. ماذا أفعل لا أدري ما هي الدرجة التي لا يحكم على الموسوس بأفعاله، لا أدري إن بلغت تلك المرحلة أم لا، فأقول لقد كان هذا بإرادة مني وكان يمكنني إيقافه، لا أدري إن كان هذا صحيحا أو إن كان هناك أمر آخر. والله أنا في حيرة، هذا الوسواس بدأ معي منذ أكثر من 6 أشهر، أحيانا أحب أن أجن، والله كرهت، صرت أبكي كيف هذا الوسواس فعل بي هذا!. وهل إن أكلت السلطة، أو الجزر فقال أحدهم ساخرا : كلي الجزر أيتها الأرنب. يعدّ كفرا؛ لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأكل الجزر ؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس كل تصرف، ولا كل حوار، يعد من الاستهزاء. فالابتسام عند رؤية الملتزمين إن كان فرحا بهم، فلا يعد استهزاء، وإن كان لسخرية منهم، فهو أمر مذموم، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ {الحجرات:11}.
قال ابن كثير رحمه الله: ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس، ويروى: وغمط الناس، والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله، وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له. انتهى.
ومع هذا فالاستهزاء بهم ليس كفرا، وإن كان معصية تجب التوبة منها، وقد وضحنا ماهية الاستهزاء الذي يعد كفرا في الفتوى رقم: 137818.
ونحن نحذرك من الوسوسة عموما، وفي هذا الباب خصوصا؛ لأن الاسترسال مع الوساوس وخاصة في هذا الباب يفضي إلى شر عظيم، فلا تلتفتي لما يخيل لك الشيطان من أنه يوقعك في الردة، فمن ثبت إسلامه بيقين فلا يزول إلا بيقين؛ إذ الأصل بقاء ما كان على ما كان, فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول أو بفعل، أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفرًا أكبر مخرجًا من ملة الإسلام، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر, ومع ذلك فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغًا، عاقلًا، مختارًا. وصاحب الوساوس القهرية الذي يلعب به الشيطان لا يعد مختارا, فعالجي الأمر بالإعراض الكلي عنه، واشغلي وقتك بما ينفع من تعلم علم نافع، أو عمل مثمر، وخدمة للمجتمع، أو تسلية، أو رياضة مباحة، ولا تدعي للشيطان وقتاً يشغلك فيه بالوسوسة، وأكثري من تلاوة القرآن، والذكر، ومطالعة سير الصالحين والصالحات، وجالسي النساء الصالحات واختلطي بهن، وتجنبي الانفراد بنفسك، والمجالس التي تبعدك عن الله تعالى.
وانظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 148445، 137826، 131591، 147101، 3086 .
والله أعلم.