عنوان الفتوى : حمل السكارى بالسيارات في بلاد الغرب

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قررت اللجنة المشرفة على عمليات مطارات عاصمة ولاية مينيسوتا الأمريكية الاثنين16-4-2007 فرض عقوبات جديدة على سائقي سيارات الأجرة المسلمين منها إلغاء رخص تشغيل سياراتهم الأجرة لمدة عامين إذا رفضوا السماح بركوب مسافرين يحملون خمورا أو يصطحبون كلابهم. فماذا يفعل سائقو السيارات؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هذا الموضوع شائك لأنه يدور -فيما يبدو للوهلة الأولى- حول خمسة أمور مهمة:

الأمر الأول: وجود المسلم في بلاد الغرب.

الأمر الثاني: الالتزام بالقوانين غير الإسلامية في البلاد الغربية، ولو كانت مخالفة للشريعة.

الأمر الثالث: تحريم الشريعة لحمل الخمر.

الأمر الرابع: مسلك الضرورة.

الأمر الخامس: حلول مفترضة.

بالنسبة للأمر الأول: وهو وجود المسلم في بلاد الغرب:

نفرق فيه بين مسلم مقيم وهي دولته، وموطنه، ولا مكان له في بلاد المسلمين، وهنا يجب أن يعيش هذا المسلم حياته بكامل ما فيها على أنها أرضه وبلده، ولا يشعر كمواطن فيها بازدراء، أو استهجان، أو أنه أقل من غيره في الحقوق والواحبات، ولكنه لا يرتكب مع هذا ما يخالف الشرع، ويلتزم بأحكام دينه، ويكفل القانون الدولي احترام الأديان والمعتقدات.

أما المسلم الذي لا يحمل جنسية البلد الأجنبية ولا يتمتع بكافة ما فيها فيمكنه أن يعود لوطنه، إن وجد تضييقا عليه، أو أنه لا يستطيع أن يعبد الله تعالى كما يجب.

وبالنسبة للأمر الثاني: ويتمثل في الالتزام بالقوانين غير الإسلامية، فهذا يكون بطبيعة القانون نفسه أو القرار أو اللائحة، فإن كان في إطار القطعي فلا يصح إجبار المسلم على تنفيذه، ويجب مراعاة الفوارق التشريعية للديانات المختلفة، والإسلام قد راعى هذا فأجاز لغير المسلم أن يشرب الخمر وأن يتاجر فيها، وأن يكون له قانون في أحواله الشخصية، وهذا لأن الإسلام يسع كل الأطراف على أرضه، وهذا من التعايش والتقارب بين المسلمين وغيرهم، فالإسلام يراعي أعراف وأحكام أديان الآخرين، بالرغم من أنه يخالفها.

أما في إطار المختلف عليه في التشريع الإسلامي فالذي يضبط الأمر في التشريع هو القاعدة الفقهية لا إنكار على المختلف فيه. ولا مانع من فعل شيء يختلف مع الرأي الفقهي الذي أعتنقه، مادام الأمر في إطار المختلف فيه، ومما تسمح به الشريعة.

وليس هناك إجبار –فيما أعلم- على اقتراف معصية هي من المعلوم من الدين بالضرورة، أو هي من قطعيات الدين فلا يجبر أحد على الزنى، أو شرب الخمر، أو السرقة، أو القتل، أو ترك الدين –وإن كانت هناك بعض العصبيات لا نقرها- وغير ذلك من القطعيات.

وبالنسبة للأمر الثالث: تحريم الشريعة لحمل الخمر:

فالأصل أن الخمر ملعون فيها عشرة منهم حاملها لقوله صلى الله عليه وسلم :” لعن اللّه الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، وآكل ثمنها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه” رواه أحمد.

ويجب هنا أن نحدد أن وظيفة السائق الرئيسية هي حمل الركاب، أما أغراضهم الشخصية فبما يسمح به العرف العام في البلدة التي يقيم فيها، والشائك هنا وهو المحل في السؤال أن الراكب يحمل خمرا، فهل يجوز له أن يحمله ويحمل الخمر الخاصة به، وهل يندرج هذا تحت اللعن الوارد في الحديث؟

وللإجابة نقرر أن الفقهاء اختلفوا في استئجار المسلم لحمل الخمر :

جاء في المبسوط للسرخسي:

“لو أن ذمياً استأجر مسلماً يحمل له خمراً فهو على هذا عند أبي يوسف ومحمد – رحمهما الله – لا يُجَوّزان العقد لأن الخمر يحمل للشرب وهو معصية والاستئجار على المعصية لا تجوز والأصل فيه قوله – صلى الله عليه وسلم – لعن الله في الخمر عشراً وذكر في الجملة حاملها والمحمولة إليه.

وأبو حنيفة – رحمه الله – يقول يجوز الاستئجار وهو قول الشافعي – رحمه الله – لأنه لا يتعين عليه حمل الخمر، فلو كلفه بأن يحمل عليه مثل ذلك فلا يستوجب الأجر ولأن حمل الخمر قد يكون للإراقة وللصب في الخل ليتخلل فهو نظير ما لو استأجره ليحمل ميتة وذلك صحيح فهذا مثله إلا أنهما يفرقان فيقولان الميتة تحمل عادة للطرح وإماطة الأذى، فأما الخمر يحمل عادة للشرب والمعصية..واستئجار الذمي الدابة من المسلم أو السفينة لينقل عليها خمراً على الخلاف الذي بينا”.أ.هـ

فالفقهاء مختلفون في جواز استئجار المسلم لحمل الخمر لذمي، بين مجيز ومانع، ويفرقون بين حمله للشرب أو غير ذلك من المنافع الخاصة بالذمي.

الأمر الرابع: مسلك الضرورة:

وعلى الرغم من اختلاف الفقهاء هذا فأرى أن الأسلم في الموضوع هو تحكيم مسلك الضرورة، فمن كانت هذه مهنته، وليس له عمل آخر، ويصيبه من تركها عنت في معيشته، فيمكنه الأخذ برأي من أجاز لمسالك أخرى في حمل الخمر غير شربها، إلى أن يجد عملا آخر. ومن كان له عمل آخر فبوسعه الرفض والاكتفاء بعمله الآخر.

الأمر الخامس : حلول مفترضة:

وأرى في واقعة السؤال بعد هذا التقديم اللازم ما يلي:

أولا: الموضوع خلافي بين الفقهاء، وأصل العمل ليس لشرب الخمر أو حملها، وإنما حمل راكب يحمل خمرا من خصوصياته، ومما يعتقد إباحته.

ثانيا: أن المسلم طالما ارتضى العيش في بلاد الغرب عليه أن يلتزم باللوائح والقوانين المعمول بها، ما لم تصطدم بأصل في شرعنا.

ثالثا: على المسلم أن يحتاط لدينه فإن كان حمل الراكب على رأي من جوز حمل الخمر لذمي لن يضر به فلا بأس، وإن كان الركوب سيسبب له أذى في بدنه أو غير ذلك من جراء ما تحدثه الخمر فعليه أن يمتنع.

رابعا: يمكن للمسلم الانتقال لولاية أخرى لا تنص قراراتها على الإلزام بحمل الراكب وما يحمله من خمر، وإلا فالعقوبة.

خامسا: يمكن للمسلمين أن يكونوا رابطة أو جمعية يكون بموجبها الحق في طلب احترام خصوصيات المسلمين كمواطنين وأقلية في الدولة.

سادسا: من حق المسلمين أن يطعنوا في هذا القرار إن رأوه ظالما لهم.

سابعا: نأمل من غير المسلمين أن يبرهنوا على التسامح والتعايش مع الأقليات المسلمة في بلادهم، وأن يقدموا مثالا يحتذى في البلاد الإسلامية لمعاني التسامح .

والله أعلم.