عنوان الفتوى : حكم الصلاة خلف أصحاب الاعتقادات الباطلة
لدينا في مسجدنا بعض الأشخاص لهم اعتقادات خاطئة مثل: أن بعض مشايخهم يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ويعطون الأبناء والبنات مع العلم أنني لم أسمع منهم هذا الكلام مباشرة ـ ولكنني سمعته من ثلاثة إخوة أو أكثر من ذلك وأحسبهم من الصادقين، فهل هذا يكفي؟ أم يجب علي أن أسمع منهم هذا الكلام شخصيا؟ أم كيف يمكنني التأكد من ذلك؟ وفى بعض الأحيان وعند غياب الإمام الراتب يصلي أحد هؤلاء الأشخاص ذوي الاعتقادات الخاطئة، وإذا خرجنا من المسجد تحدث بعض المشاكل بيننا وبينهم وما أعلمه أنه لا تجوز الصلاة خلف من يعتقد هذه الاعتقادات وقرأت فتوى للإمام أحمد بن حنبل وابن قدامة أنه تجوز الصلاة خلفهم وذلك لكراهة الخروج من المسجد بعد النداء مع الإعادة إذا نوى الإعادة، وإذا لم ينو الإعادة كانت صلاته صحيحة ولا تجب عليه الإعادة، وقرأت أيضا أننا إذا كنا أكثر من شخص فيمكننا أن نصلي في جماعة ثانية داخل الجماعة الأولى ونركع لركوعهم ونسجد لسجودهم فما مدى صحة هذا القول؟ وما هو القول الراجح؟ وما حكم من يصلي خلف هؤلاء؟ أرجو التفصيل، وهل يمكننا أن نصلي خلفهم ونعيد؟ أم أنه لا تجوز الصلاة خلفهم مطلقا؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهؤلاء الإخوة الثلاثة إن كانوا عدولا ضابطين لما سمعوه، غير متهمين في ما نقلوه، فشهادتهم وخبرهم مقبول، ويجب العمل بمقتضاه، ما لم يظهر ما يخالفه، وراجع الفتويين رقم: 42746، ورقم: 61928.
وهذه العقائدة التي ذكرها السائل في مطلع سؤاله من العقائدة الفاسدة التي توقع صاحبها في الشرك الأكبر ـ والعياذ بالله تعالى ـ ولا يجوز أن يُجعل أمثال هؤلاء أئمة في الصلاة، ولا تصح الصلاة خلفهم، قال الشيخ ابن باز: إذا كان الإمام مشعوذا يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات، فلا يجوز أن يتخذ إماما، ولا يصلى خلفه، لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: من استغاث برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معتقدًا أنه يملك النفع والضر فهو كافر مكذب لله تعالى مشرك به، لقوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ... ولا تجوز الصلاة خلف هذا الرجل ومن كان على شاكلته، ولا تصح الصلاة خلفه، ولا يحل أن يجعل إمامًا للمسلمين. اهـ.
ومن صلى خلفه وهو لا يعلم حاله ثم تبين له بعد ذلك، ففي وجوب إعادته خلاف، جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أنه يشترط في الإمام أن يكون مسلما، وعلى هذا لا تصح الصلاة خلف من هو كافر يعلن كفره، أما إذا صلى خلف من لا يعلم كفره، ثم تبين أنه كافر، فإن الحنفية والحنابلة قالوا: إذا أمهم زمانا على أنه مسلم، ثم ظهر أنه كان كافرا، فليس عليهم إعادة الصلاة، لأنها كانت محكوما بصحتها، وخبره غير مقبول في الديانات لفسقه باعترافه، وقال الشافعية: لو بان إمامه كافرا معلنا، وقيل: أو مخفيا، وجبت الإعادة، لأن المأموم مقصر بترك البحث، وقال الشربيني: إن الأصح عدم وجوب الإعادة إذا كان الإمام مخفيا كفره، ومثله مذهب المالكية حيث قالوا: تبطل الصلاة بالاقتداء بمن كان كافرا سواء أكانت سرية أم جهرية، وسواء أطالت مدة صلاته إماما بالناس أم لا، وصرح الحنابلة، وهو رواية عند المالكية، بعدم جواز إمامة الفاسق وهو الذي أتى بكبيرة كشارب خمر وزان وآكل الربا، أو داوم على صغيرة. اهـ.
وأما ما ذكره السائل منسوبا للإمام أحمد ولابن قدامة من جواز الصلاة خلفهم لكراهية الخروج من المسجد بعد النداء مع الإعادة... إلخ، فهذا ليس بصحيح، لا من حيث الحكم، ولا من حيث التعليل، فعدم جواز الخروج من المسجد بعد الأذان عند الحنابلة ليس على إطلاقه، جاء في متن الإقناع لشرف الدين المقدسي: يحرم خروج من مسجد بعد الأذان، بلا عذر أو نية رجوع، إلا أن يكون قد صلى. اهـ.
وهناك وجه آخر عندهم بالكراهة, قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخروج من المسجد بعد الأذان منهي عنه, وهل هو حرام أو مكروه؟ في المسألة وجهان, إلا أن يكون التأذين للفجر قبل الوقت فلا يكره الخروج، نص عليه أحمد. اهـ.
وراجع في هذه المسألة الفتويين رقم: 31856، ورقم: 111112.
وأما جواز الصلاة خلفهم عند الحنابلة فلا يصح، بل إن الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع عندهم وعند طائفة من أهل العلم لا تصح، جاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في الاقتداء بأهل الأهواء في الصلاة، فذهب الحنابلة في إحدى الروايتين عندهم إلى أنه لا يجوز الاقتداء بأهل الأهواء مطلقا، فإن اقتدى بهم فصلاته باطلة، وفرقوا في رواية أخرى بين الاقتداء بالمجاهر بهواه وبدعته الداعي إليها، وبين من ليس كذلك، فأجازوا الاقتداء بالمستسرِّ بها، وأبطلوه بالمجاهر والداعي، وذهب المالكية: إلى أنه إن اقتدى بأحد من أهل الأهواء، وجبت عليه الإعادة في الوقت، لأنه مختلف في كفرهم، وذهب الحنفية والشافعية إلى جواز الاقتداء بأهل الأهواء مع الكراهة التنزيهية. اهـ.
وغاية ما يمكن ذكره هنا أن من خاف أحدا من أهل الأهواء صلى خلفه وأعاد، قال ابن قدامة في المغني عند قول الخرقي: من صلى خلف من يعلن ببدعة، أو يسكر، أعاد ـ قال: روي عن أحمد أنه لا يصلى خلف مبتدع بحال، قال في رواية أبي الحارث: لا يصلي خلف مرجئ ولا رافضي ولا فاسق، إلا أن يخافهم فيصلي، ثم يعيد، وقال أبو داود: قال أحمد: متى ما صليت خلف من يقول: القرآن مخلوق، فأعد. اهـ.
وما ذكره السائل من إمكانية صلاتهم جماعة ثانية داخل الجماعة الأولى، يركعون بركوعهم ويسجدون بسجودهم، وكذلك الصلاة خلفهم مع الإعادة!! لا يصح، ولا مبرر له، إلا إن كانوا مضطرين أو خائفين، كما سبق النقل عن الإمام أحمد في قوله: إلا أن يخافهم فيصلي، ثم يعيد.
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 36436، أن متابعة الإمام صورة لا حقيقة دون نية الاقتداء، إنما يلجأ لها غالبا من يعلم من حال الإمام ما يقدح في صحة صلاته ويخشى ضررًا لو صلى منفردا عنه، وعلى أية حال ففي صحة صلاة الرجل وراء الإمام ومتابعته إياه دون نية الاقتداء تفصيل وخلاف بين أهل العلم، راجع فيه الفتاوى التالية أرقامها: 20151، 47115، 70439.
وفي حال الاختيار، إما أن تُقدِّموا من تصح إمامته، وإما أن تصلوا في مسجد آخر، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 102930.
وكذا الفتاوى ذوات الأرقام التالية أرقامها: 24012، 4159، 6742، 58091.
والله أعلم.