عنوان الفتوى : هل مقاطعة الأخ العاصي تمنع من المغفرة يومي الإثنين والخميس
أنا فتاة في 17من عمري, وهناك أمر يشغل تفكري كثيرًا؛ حتى أصبحت أحلم به كثيرًا, فأخي غير الشقيق - من أبي – الذي يكبرني بأربع سنين يكذب منذ صغره, وكنت لا أريد أن أنعته بالكاذب احترامًا له, وخوفًا من أبي, ولكن الحال أصبح مزريًا جدًّا؛ لأنه أصبح يكذب الآن على أبي وأمي, وقد يخالف بين القولين ليوقع بينهما, وبذلك تصبح أمي لا تريد له الخير, ويشهد الله أن أمي تعتبره مثل ابنها فقد تربى معنا منذ كان عمرة 4 سنين, وقبل سنة وجدت أنه يشاهد أفلامًا إباحية, وأصبحت نفسيتي متعبة جدًّا بعد مشاهدتها, ولكني - والحمد لله - تجاوزت تلك المحنة, ولم أخبر أبي حتى لا تحدث مشاكل, والذي يؤلمني أنه كان يستغلني ليخبرني بأنه مظلوم, ويبكي أمامي وهو كاذب, وعندما اكتشف فعلته يعود ويكذب عليّ, حتى أصبحت لا أصدقة الآن أبدًا, ولا أتحدث معه لأنه يتلفظ بألفاظ لا أحب سماعها - فأنا أخاصم إخوتي الذين هم أصغر مني على قولها - وأصبحت لا أطيق النظر إلى وجهه, أو حتى سماع صوته, وأحلم دائمًا أني أضاربه, والكل يكون في صفه, وأنا أخبرهم أنه كاذب, وأود ضربه لأفعاله, وهو أيضًا يعاند أبي جدًّا, ويرفع صوته عليه, ويضرب أختي الصغرى لأسباب تافهة, وأنا لا أجادله لأنني لا أريد المشاكل معه, وإخوتي متضررون منه لأنه قد يتدخل بينهم, وينحاز لأحدهم ضد الآخر ويضربه, وعندما يخبرون أبي يخبره بأنهم من بدؤوا المزاح معه, وأنا أخبركم بهذا لأني لا أعلم ماذا أفعل, ولأني لا أريد أن تكون صحيفتي مقفلة يوم الإثنين والخميس بسبب تخاصمي معه؛ لأن المتخاصمين لا تقبل أعمالهما, فأرجو المساعدة, فأنا أحاول منذ مدة أن أجد حلًّا, فنحن متقاطعان منذ مدة طويلة تعدت الشهرين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا الأخ على تلك الحال التي وصفت من الكذب, والإساءة إلى الوالدين, ومشاهدة الأفلام الإباحية، فهو على خطر كبير، والواجب عليك نصحه, وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
وأما هجرك له بسبب معاصيه: فالراجح - والله أعلم - أن العبرة بالمصلحة المترتبة عليه، فإن كان الهجر يفيد في إصلاحه فهو أولى، وإن كان الأصلح له الصلة مع مداومة النصح فالصلة أولى، وانظري الفتوى رقم: 14139.
وحيث كانت مقاطعتك له بسبب معصيته - لا لسبب دنيوي - فلا تكون سببًا لدخولك في الوعيد المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ, فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا, إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ, فَيُقَالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. رواه مسلم.
فذلك الوعيد لمن كانت مهاجرته لأمور الدنيا وحظوظ النفس، قال أبو داود في السنن: إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء.
وننبه إلى أنه ينبغي للمؤمن أن يتسع قلبه رحمة, ورأفة للعصاة, ويرجو لهم الهداية والتوبة، ولا ينافي ذلك إنكاره للمنكر وبغضه للمعصية، فإنه لا يكره العاصي لذاته، وإنما يكرهه لما تلبس به من المعصية، قال ابن القيم - رحمه الله - في طريق الهجرتين في مشاهد الناس في المعاصي: ..أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم.
والله أعلم.