عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في زكاة من أجر أرضا ببعض الخارج منها
أجرت أرضا من الدولة، ثم قمت بتأجيرها لمن يزرعها قمحا، بنصف ما يخرج منها. المحصول ولله الحمد يبلغ النصاب.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن إجارة الأرض بنصف ما يخرج منها من المحصول، هي إجارة جائزة في المفتى به عندنا.
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ، وَأَنَّ الْإِجَارَةَ تَجُوزُ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ الْمَأْجُورَةِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْمَذْهَبُ, قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَصِحُّ إجَارَةُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا, وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ . اهـ.
والزكاة تجب في نصيب كل واحد منكما على حدة، إذا بلغ نصيبه نصابا بنفسه أو بما انضم إليه من ثمر من جنسه مما يملكه، وأما إذا كان نصيب كل واحد أقل من النصاب، ولا ثمر له آخر من جنسه يكمل النصاب، ولكن لو جمع ثمرهما بلغ نصابا، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فذهب الأكثرون إلى عدم الوجوب بناء على أن الخلطة لا تؤثر إلا في الماشية، وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه تجب عليهما الزكاة؛ لأن الخلطة مؤثرة في غير الماشية كالثمر والنقد.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةُ نَصِيبِهِ، إذَا بَلَغَتْ حِصَّتُهُ نِصَابًا, نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُزَارَعَةِ, وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ النِّصَابَ إلَّا بِجَمْعِهِمَا، لَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَة لَا تُؤَثِّرُ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي فِي الصَّحِيحِ, وَعَنْهُ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ، فَتُؤَثِّرُ هَا هُنَا، فَيُبْدَأُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ ثُمَّ يَقْسِمَانِ مَا بَقِيَ, وَإِنْ كَانَتْ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا تَبْلُغُ نِصَابًا دُونَ الْآخَرِ، فَعَلَى مَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ نِصَابًا الزَّكَاةُ دُونَ الْآخَرِ، يُخْرِجُهَا بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّتُهُ نِصَابًا مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ مِنْ مَوَاضِعَ أُخَرَ، فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَمَرٌ مِنْ جِنْسِ حِصَّتِهِ، يَبْلُغَانِ بِمَجْمُوعِهِمَا نِصَابًا، فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي حِصَّتِهِ ..اهـ.
والنصاب الذي تجب فيه الزكاة في الخارج من الأرض هو خمسة أوسق؛ لما رواه الشيخان من حديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ. اهـ.
فمن بلغ نصيبه منكما خمسة أوسق أخرج زكاته, والخمسة أوسق قدرها الشيخ ابن عثيمين بـ ( 612 كجم ) من البر الجيد، فمن بلغ نصيبه من الخارج هذا المقدار أخرج منه الزكاة؛ وانظر الفتوى رقم: 115639.
والقدر الواجب هو عشر الخارج فيما سقي بغير كلفة، كالمسقي بالمطر أو الأنهار. ونصف العشر فيما سقي بكلفة، كالمسقي بالسواقي أو السواني أو المضخات وما شابه؛ لقول النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ. رواه مسلم من حديث جابر, وعند البخاري من حديث ابن عمر مرفوعا: فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ. اهـ.
ولا تخصم المصاريف من القدر الواجب؛ وانظر الفتوى رقم: 183975.
والله تعالى أعلم