أرشيف المقالات

الأدب في الأسبوع

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
الأزهر الأزهر - كما يجب أن نعرفه - إن هو إلا تاريخ مصريٌّ عربي إسلامي كاملٌ متتابعٌ قد أمتدَّ على مَدْرَجةِ التاريخ ألف سنة يجدِّد فيه ويتجدَّد به، ويعيشُ عيشه هذا في التاريخ كالمدد المتلاحق الذي يستفيضُ بمادَّته لينشئ القوةَ في رُوح الجيش المرابط وأعصابه وأفكاره وأعماله المجيدة.
وهذا التاريخ العجيب الذي لا يزال حياً في هذه الأرض، وهو كالتاريخ الإسلامي والعربي كله مجهولٌ متروك لم تَنفُضْ عنه الحياةُ العربية الجديدة غبار السنين المتقادمة والأجيال المتطاولة التي تعاقبت عليه بالنسيان والإهمال والهجر.
وإذا نظرنا إلى الأزهر على مقتضى هذه النظرة وبسبب من هذا الرأي - علمنا أنه كهذا التاريخ الإسلامي قد تعاورته القوَّة والضعف، وحزَّت فيه سيما العلم وميسم الجهل، وتغلغل فيه النبوغ الفذُّ السامي والنبوغ الشاذُّ النازلُ: النبوغ السامي الذي أرتفع بروحانية الشعوب الإسلامية وأخرجها من سُلطان الشهوات والجهالاتِ، فمدَّت بذلك سلطانها على جزء عظيم من العالم والنُّبوغُ النازل الذي هَوىَ بروحانيةِ هذه الشعوب إلى الجَدَل والفُرقةِ والمذاهب والآراء الخاضعة لسلطان الشهوات العقلية المريضة، فقلَّصتُ ظِلَّ هذا السلطان عن هذا الجزء العظيم من العالم والأزهر - كان - مجتَمَع القُوى المختلفة التي عملتْ في إنشاء الحضارة الإسلامية والعربيِّة التي عاشَتْ في التاريخ الماضي وملأنه بالألوان المختلفة من مميزات هذه الشعوب الإسلامية المتبانية، المتباعدة في مطارح الأرض ما بين الصين إلى الغرب الأقصى.
واستمرَّ على ذلك مئات من السنين تتلوها مئات، وكذلك مهدت هذه السنين للشعب العربي المصري في هذا العصرِ - عصر النهضة الجديدة في الشرق - أن يكونَ هو قِبلةَ الأمم العربية والإسلامية.
وذلك لأن روح الشعب المصري، وثقافته الموروثة في تفكيره وأخلاقه وطباعه، وحضارته القديمة التي تبرجتْ على ضفاف النيل - هذه كلُّها ليست إلا خلاصة هائلة مُصفَّاة من أرواح الشعوب الإسلامية كلها وثقافاتها وحضاراتها.
وكان الأزهر هو المصدر الذي استمدَّتْ منه مصر هذا الفيض العظيم الجاري في أودية التاريخ المتقدم، لأنه هو كان الجامعة الوحيدة في هذه الديار، وكان أكبر جامعة وأعظمه في سائر الديار العربية الإسلامية.
وبهذه الخلاصة التي اجتمعت في الأزهر، ثم انتشرت منه في أرجاء مصر قديماً وحديثاً استعد الشعب المصري بطبيعته لأمر مقدور، هو أن يكون زعيماً للشرق في عصر النهضة الجديدة، لأن كل شعب من الشعوب العربية والإسلامية يرى في هذا الشعب صورة من نفسه مكملة بألوان أخرى من صور سائر الشعوب التي تمت إليه بسبب من الدين واللغة والحضارة والثقافة والفكر والدم ونحن نأسف إذ نرى الناس إنما ينظرون إلى الأزهر نظرة محدودة ضيقة لا تتراحب ولا تنفذ إلى حقيقة هذا التاريخ القائم في أرض مصر.
فهم يعدونه معهداً دينياً، ويكون تفسير كلمة الدين هنا - على غير الأصل الذي يعرف به معنى الدين في حقيقة الفكرة الإسلامية التي ختم الله بها النبوات والأديان على هذه الأرض.
وهذا المعنى الجديد المعروف في زماننا لهذه الكلمة كلمة (الدين) ليس إسلامياً، لأنه لا يلائم روح الإسلام في شيء.

كلا، بل هو يهدم أعظم حقيقة حية أتى بها هذا الإسلام ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليجعل الذين آمنوا فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، ويجعلهم الوارثين.
وهذه الحقيقة الحية الجميلة هي جعل كل عمل من أعمال الإنسان المسلم في الحياة عبادة تقربه إلى الله.

فليس البيع والشراء، أو تدبير أمور الناس في الملك، أو العلم والتعليم، أو تربية الولد، أو الخدمة التي يؤديها الرجل لمن يخدمه.

ليست كل هذه الأشياء الاجتماعية في منزلتها من الدين الإسلامي: إلا كالصلاة والصيام والزكاة وسائر الأعمال التي يفهم بعض الناس الآن أنها هي الدين حسب.
فالأزهر الإسلامي هو الذي تتمثل فيه حقيقة الإسلام - أو يجب أن تتمثل فيه هذه الحقيقة -، وتاريخه الماضي كان صورة صحيحة للحياة الاجتماعية الإسلامية بكل ألوانها وأنواعها، مع ما كان قد عرض فيها من العيوب التي أدركت الشعوب الإسلامية وجعلتها تنزل عن المرتبة الأولى التي كانت لها في تاريخ الحضارات السالفة التي سبقت الحضارة الأوربية لهذا العصر.
فلما هجمت علينا الحضارة الحديثة من أوربا بعواملها المختلفة، وسياستها القوية التي تغلبت على كل سلطان في الشرق، ثم اندست العوامل الغريبة في الأمم الإسلامية، وعملت الأيدي العدوَّ عملها في تمزيق الروابط بين طبقات الشعب.

رجع الأزهر إلى غيله يستتر فيه، وقبع أهله عن صراع الحياة الجديدة صرعاً يراد منه الظفر، وكذلك سار الناس ناحية، وسار الأزهر ناحية أخرى، وكان ذلك أول البلاء على الأزهر وعلى الشعب نفسه! إصلاح الأزهر وقد أحس كثير من المصلحين من أهل الأزهر وغير أهله - ممن يعرفونه أصلاً كبيراً في الحياة المصرية والعربية والإسلامية - بما تقتضيه طبيعة الموقف الذي صار إليه في هذا العصر، وبما توجبه حقيقة الدين الإسلامي، فهبوا إلى إصلاحه والنظر في شأنه مرة بعد مرة.
وكان العمل لذلك شاقاً كثير المتاعب غير قريب المنافذ، فاضطربت الأيدي واختلفت الأغراض، وسار هذا الزمن السريع بقوة واندفاع، لا يملك معه المصلح الانطلاق في آثاره على مثل سرعته واندفاعه وكذلك لم يزل الأزهر الآن في منزلة غير المنزلة التي يوجبها له قيامة ألف سنة على التاريخ الفكري والثقافي والعملي في الحضارة الإسلامية وقد كتب الأستاذ (الزيات) - في فاتحة العدد الماضي من الرسالة - كلمته الجليلة (في سبيل الأزهر الجديد) يطالب الأزهر بالرجوع إلى المنابع الأولى للدين واللغة والأدب والعلم.
وحب (الزيات) للأزهر، ورغبته في المبادرة إلى علاج الأدواء التي تلبست به من أمراض الأجيال السابقة، هي التي حملته على أن يكتب كلمته لتظفر مصر (بجامعتها الصحيحة التي تدخل المدنية الغربية في الإسلام، وتجلوا الحضارة الشرقية للغرب، وتصفي الدين والأدب من شوائب البدع والشبه والركاكة والعجمة) نعم إن الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر لم يقصر في اجتهاده أن يجعل الأزهر مثابة للعلم الإسلامي الصحيح، ولم يتخلف عن النصيحة له بما توحي به الرغبة الصادقة في تحريره من آصار قديمة عاقته عن بلوغ غايته التي يحق له أن يبلغها.
فقد وضع الأستاذ الأكبر من عشر سنين نظامه الجديد للكليات في الأزهر وجعل أحد قسمي التخصص في هذه الكليات موقوفاً على مادة من مواد الشريعة أو اللغة أو الأدب أو التفسير والحديث أو المنطق والفلسفة أو الأخلاق والتاريخ وعلم النفس وما إلى ذلك.
وأمد هذه الكليَّات العالية - في دراستها لما خصصت له - بالكتب الأصول المعتمدة في بابيها ككتاب سيبويه، وخصائص ابن جني، وسر صناعة الإعراب لابن جني، وتصريف المازني، وكتاب فيلسوف النحو رضي الدين الإستراباذي صاحب شرح الشافية، وشرح الكافية، وهما عمدة أصحاب النحو والتصريف.
وكذلك جُعلت كتب عبد القاهر - دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة -، وكتاب الصناعتين لأبي هلال، وأدب الكاتب والكامل والأمالي وغير هذه من أصول الأدب واللغة هي مادة الدراسة في هذه الكليات وقد قام على التدريس في هذه الكليات جماعة من خيرة من أنجبهم الأزهر فاستقلوا بتدريس هذه الكتب الجليلة خير استقلال، فنرجو أن يظهر الأزهر الجديد بعلمه الجديد الذي استمده من الكتب الأصولِ، وأن يعتمد فيما يستقبل من أيام نهضته كل الأصول الأولى في تدريس الفنون المختلفة التي تقوم ببثها بين أبنائه ومريديه وطلبته.
هذا ونرجو أن نحقق روح الأزهر - التي تتصل بالشعب المصري وسائر الشعوب الإسلامية - معنى الإسلام الصحيح الذي يطالب المسلمين بالسيادة والقوة والغلبة، ولا يكون ذلك إلا يوم يتصل الأزهر اتصالاً تاماً بجميع ألوان الثقافات العالمية، ليوجد للشعب المصري والعربي والإسلامي ثقافة تضارع كل هذه الثقافات، مبرأَة من عيوبها التي فرضتها عليها البيئة غير الإسلامية التي نشأت تحت ظلالها وفي رعايتها. وأنا أكتفي بهذا القدر من القول، وسأعود قريباً لأبدي بعض الرأي في أنواع من الإصلاح تراد للأزهر وغير الأزهر أرجو أن تنال بعض الرعاية ممن يتولون شأن هذا الإصلاح المجمع المصري للثقافة العلمية بدأت في الأسبوع الماضي جلسات المؤتمر السنوي للمجمع المصري للثقافة العلمية برياسة حضرة صاحب السعادة حافظ عفيفي باشا، وهذا هو المؤتمر الحادي عشر لهذا المجمع العلمي الصامت الذي يجاهد في إنشاء الثقافة العلمية العربية في الشرق بما يسعه جهده وماله: والمجمع العلمي هو أهم ما يحتاج إليه الشعب العربي الذي ابتعد به الزمن عن متابعة النهضات العلمية المختلفة التي تجددت بالحضارة الأوربية الحديثة.
وقيام هذا المجمع بنشر الثقافة العلمية - في حدود طاقته - قد أوجد للأمة العربية ذخيرة عظيمة تقع في عشرة مجلدات، كلها مباحث علمية عظيمة مكتوبة باللغة العربية مع قلة الاصطلاحات العربية العلمية التي تؤدي المعاني العلمية الجديدة التي لم تقرر لها بعد مصطلحات ثابتة في مادة هذه العلوم وهذا المجمع العلمي العظيم لا يلقى - مع الأسف - ما هو حقيق به من الحفاوة والاحتفال في الأوساط الأدبية والعلمية التي توجب عليها مهمتها الشاقة إمحاض النصيحة للأمم العربية، بتشجيع القائمين بأعمالهم المجيدة في صمت وسكون ورفق.
ومن أعجب العجب أن تعقد المحاضرات والمناظرات الكثيرة التي تعتمد أكثر ما تعتمد على الثرثرة ومضغ الأحاديث والتمطق بمبذول الكلام، وتجتمع لهذه المحاضرات والمناظرات فئات كثيرة من طبقات الناس.
وفي صدرهم كثير من أصحاب الأمر وعظماء الأمة ثم يعقد هذا المجمع مؤتمره مرة في كل عام - فلا يلقى من هذه الفئات ولا من هؤلاء العظماء ما هو أهل له من المتابعة والاهتمام أو المجاملة إن شئت وكان الظن أن تعمل وزارة المعارف والجامعة وسائر المعاهد والوزارات التي يتناول المجمع - بعض ما يخصها أو يقع في حدود أعمالها - بالبحث والدرس والتحقيق والكشف: كان للظن أن تمهد هذه له سبيل إبلاغ صوته إلى أكبر عدد ممكن من المثقفين، تشجيعاً له للقائمين عليه، طلباً للمنفعة التي تأتي من إثارة اهتمام هذه الجماهير بنتائج الأبحاث العلمية وأنواعها، وضروبها المختلفة التي يقوم المجمع وأعضاؤه على إعدادها ومتابعتها والعمل على نشرها، لتكون سبباً من أسباب اليقظة العلمية التي تقتضيها النهضة الحديثة في الشعوب العربية وقد جمعني مرة مجلس فيه فئة من كبار الأساتذة في بعض المعاهد العلمية العالية، فلم أجد عند أحد منه خبراً يعلمه عن هذا المجمع، فما ظنك بعمله أو إنتاجه أو غايته التي أريد لها إنشاؤه وتأسيسه؟ وهذا أمر يؤسف له، ويوجب على المجمع وعلى كل ذي رأي أن يعمل على تنبيه الوزارات والمعاهد إلى قيمة هذا العمل الذي يقوم عليه المجمع، وإلى توجيه أنظار الناس إليه بكل سبيل، حتى يستطيع أن يؤدي إلى الناس ما يرغب فيه من نشر الثقافة العلمية التي يحتاج إليها هذا الشعب في كل أغراضه وأعماله، وفي بعث الروح العلمية التي تكفل له القيام بالعبء المثقل الذي يريد أن ينهض به في بناء الحضارة الجيدة التي يتهيأ الشرق لوراثتها عن الحضارات التي هي في سبيل إلى الهلكة والتدمير والبوار هذا وقد بدأ المجمع مؤتمره لهذه السنة بالمحاضرة التي ألقاها الدكتور حافظ عفيفي باشا عن (الأصول العلمية الحديثة وتطبيقها على الزراعة)، وقد عرض فيها لأهم ما يشغل الأسواق المصرية في هذا الوقت، وهو نظام الحاصلات والأسواق الداخلية، فأبان كل البيان عن وجه المصلحة التي يجب أن يقصدها القائمون على أمر الشئون الزراعية في هذه الأوقات العصيبة المنذرة بأشد الأزمات على الأسواق التجارية.
ثم تبع ذلك بحث في أهم ما يخاف منه وما تخشى عواقبه في أزمان الحربِ، وهو تفشي الأمراض والأوبئة، وما يجبُ على الشعب المصري وحكومته أن تعمل على تفاديه بكل سبيل.
فألقى الدكتور عبد الواحد الوكيل: (حاجة البلاد إلى تعديل خططها الطبية والصحية)، وقد أبانت هذه المحاضرة عن هول الحالة الحية التي تختفي في كل ناحية من نواحي هذا الشعب المهمل المسكين آلهة الكعبة كنت قرأت في البريد الأدبي من عدد الرسالة 350 كلمة للأخ محمد صبري في قصيدة الأخ الشاعر محمود حسن إسماعيل ينكر فيها أن (اللات، والعزى، ومناة) من آلهة الكعبة، قال: (وليس واحد من هذه الثلاثة من أصنام الكعبة، بل لم يكن واحد منها داخل الكعبة ولا حولها).
ثم استشهد قول ابن الكلبي في كتاب الأصنام، حين ذكر مواضع هذه الأوثان الثلاثة وقد كان اعترض بعض أصحابه قبل ذلك - في مجلس لأستاذ الزيات - بمثل ما اعترض به الأخ صبري، فرُمتُ أن أقول: إن وجود هذه الثلاثة في الكعبة أو حولها ليس يمتنع.
وذلك لأن أبن سعد ذكر في طبقاته أن رسول الله ﷺ طاف بالبيت - بعد فتح مكة - وهو على راحلته، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل كلما مر بصنم منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً).
فيقع الصنم لوجهه.
وابن الكلبي لم يعد لنا في كتابه الأصنام غير أسماء ثلاثين صنماً، وزاد زكي باشا عليها خمسة وأربعين صنماً، فهذه خمسة وسبعون، فأين هي من ثلاثمائة وستين؟.

وما كانت كل هذه الأمة من الأصنام إذن - إن لم يكن منها اللات والعزى ومناة، وهي أشهر أصنام الجاهلية، وهي المذكورة في القرآن في سورة النجم، وقد كان نزولها بمكة؛ وما أظنها تذكر بأسمائها إلا وكفار قريش يعظمونها فإذا عظموها اتخذوها في الكعبة وهي بيتهم المعظم، كما كانوا يتخذون الأصنام في بيوتهم ودورهم.
ثم رأيت أخيراً أن ابن سعد يذكر في فتح مكة أن رسول الله بث السرايا إلى الأصنام التي حول الكعبة فكسرها، منها: (العزى، ومناة، وسواع، وبوانة، وذو الكفين.
فنادى مناديه بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدعْ في بيته صنما إلا كسره) ثم جاء كلام أبي جعفر الطبري في تفسير سورة النجم ج 27 ص36 يقطع الشك باليقين إذ يقول.
(وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة: يقول (اللات والعزّى ومناة الثالثة - أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها)، وهذا هو المعقول، وليس من المعقول أن تخلو كل هذه الأمة من الأصنام التي كانت حول الكعبة من تماثيل منصوبة للات والعزى ومناة الثالثة، وهذا ليس يمنع أن تكون القبائل غير قريش مكة قد اتخذت لها أنصاباً نصبتها في الأماكن التي ذكرها ابن الكلبي وغيره. محمود محمد شاكر

شارك الخبر

المرئيات-١