عنوان الفتوى : أصرت على الطلاق من زوجها فطلقها قاض غير مسلم فما حكم الطلاق؟
منذ سنتين : تزوجت في السعودية من رجل مسلم حديث الإسلام ، وانتقلت للعيش معه في السويد , علمته القرآن ، والصلاة ، وأمور الدين . كنت الزوجة المثالية حتى يعلم حقيقة الإسلام ، كان يصلي أحيانا ويترك الصلاة أحيانا أخرى , جاهدت معه سنتين , رغم أنه كان يعاملني بسوء أحيانا, ثم اكتشفت أن له علاقات محرمة مع نساء أخريات , طلبت منه الطلاق , فكان على القانون السويدي أننا لسنا زوجين , لكني اعتبرتها الطلقة الأولى ، وما زلت في بيتي , رغم أنه لا يريد الطلاق ، لكني من أصر عليه ، ودفعت للدولة أو المحكمة ثمن الأوراق ، على حسب قانونهم . أنا الآن محتارة ، ولا أدري ماذا أفعل , في غربة ، وكربة ، وأحوالي المادية ليست على ما يرام . أنا فوضت أمري إلى الله . لكن ماذا افعل في هذا الأمر؟ هل أعتبرها الطلقة الأولى ، ثم نكتب العقد من جديد هنا في السويد ؛ لأني بدونه لا أعتبر زوجة في هذه الدولة ، فهم لا يعترفون بعقد النكاح في السعودية .
الحمد لله
أولا :
من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الحكم فيما يعرض للمسلم من أمور حياته :
إنما مرده إلى الله ورسوله ، ولا يحق له أن يطلب حكما من غيره ، أو يبحث في قضاء ،
سوى ما قضى الله ورسوله به ؛ قال تعالى : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ
عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ
مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/49، 50 ، وقال تعالى : ( فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا
يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
النساء/65 .
فإذا اضطرت إلى المرأة إلى طلب الطلاق من زوجها لسبب معتبر شرعا ، وامتنع زوجها من
تطليقها , فإنه لا يجوز لها أن تتحاكم إلى المحاكم المدنية في بلاد الكفر ؛ بل ولا
في بلاد الإسلام إذا كان قانون تلك المحاكم قانونا وضعيا بشريا ، لا يحكم بما أنزل
الله .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة : ما حكم تحكيم القضاء الأمريكي في النزاع بين
المسلمين ، أمور الطلاق ، والتجارة ، وغيرها من الأمور ؟ .
فأجابوا : "لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية ، إلا عند الضرورة ، إذا لم
توجد محاكم شرعية ، وإذا قضي له بغير حق له : فلا يحل له أخذه " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ
بكر أبو زيد .
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/502) .
ثانيا :
إذا لم يكن هناك قضاء شرعي يفصل في مثل تلك الأمور ، كما هو الحال في بلاد الغرب ،
فالواجب على من طلب الطلاق ، أو نزلت به نازلة من تلك النوازل ، أن يعرض حاله على
المركز الإسلامي في بلده ، ليقضي في حاله بالقضاء الشرعي . ثم له بعد ذلك أن يرفع
القضية أمام المحاكم المدنية ، لإثبات حقه وتوثيقه ؛ فإن قضت له المحكمة بمثل
القضاء الشرعي ، فبها ونعمت ، والتعويل في حقيقة الأمر إنما هو على القضاء الشرعي ،
الذي قضى به المركز الإسلامي ، أو الهيئة الإسلامية المعتبرة في بلدك ، وما قضت به
المحكمة الغربية إنما هو لتوثيق الحقوق وضمانها .
وإذا قضى القضاء الكفري الغربي بغير حكم الله ، وأعطى المتقاضي ما لا يحق له شرعا :
لم يحل له أن يأخذ شيئا من ذلك ؛ فلا ينفذ نكاحه ، ولا تطليقه بنفسه ، وإذا طلق على
الزوج ، أو أجبره على التطليق : لم يعتبر حكمه بذلك طلاقا شرعيا ، حتى يقضي به
القضاء الشرعي ، على ما سبق ، أو القضاء الشرعي في بلدك ( السعودية ) إذا أمكنك أن
تترافعي إليه .
وقد نص البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ، المنعقد
بكوبنهاجن- الدانمارك مع الرابطة الإسلامية ، في الفترة من 4-7 من شهر جمادى الأولى
لعام 1425هـ الموافق 22-25 من يونيو لعام 2004 م على : " أنه يرخص في اللجوء إلى
القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلا لاستخلاص حق أو دفع مظلمة في بلد لا تحكمه الشريعة
، شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع
النازلة ، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه ".
وجاء فيه : " المحور السابع : مدى الاعتداد بالطلاق المدني الذي تجريه المحاكم خارج
ديار الإسلام :
بَيَّن القرار أنه إذا طلق الرجل زوجته طلاقا شرعيا فلا حرج في توثيقه أمام المحاكم
الوضعية ، أما إذا تنازع الزوجان حول الطلاق فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام
القضاء الشرعي عند انعدامه بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة ، وأن اللجوء
إلى القضاء الوضعي لإنهاء الزواج من الناحية القانونية لا يترتب عليه وحده إنهاء
الزواج من الناحية الشرعية ، فإذا حصلت المرأة على الطلاق المدني فإنها تتوجه به
إلى المراكز الإسلامية ، وذلك على يد المؤهلين في هذه القضايا من أهل العلم لإتمام
الأمر من الناحية الشرعية ، ولا وجه للاحتجاج بالضرورة في هذه الحالة لتوافر
المراكز الإسلامية وسهولة الرجوع إليها في مختلف المناطق " انتهى .
وبناء على ذلك :
فإن كان القضاء السويدي قد حكم بطلاقك من زوجك ، أو أجبره على تطليقك ، فلا عبرة
بذلك كله ، حتى يطلقك زوجك باختياره ، أو يحكم بذلك الحاكم الشرعي ، على ما سبق
بيانه .
والواجب عليك الآن : أن ترفعي أمرك إلى أقرب مركز إسلامي موثوق ، وتعرضي عليهم
القضية بملابساتها ، فإن رأوا أن حكم المحكمة موافق للشريعة وأقروه ، فقد صار نافذا
.
ويقع الطلاق في هذه الحالة بائنا بينونة صغرى بمعنى أنه لا يملك الزوج فيه الرجعة ,
وذلك لأن الأصل أن كل قضاء يوقعه القاضي فإنه يقع بائنا إلا في حالات معينة .
قال الخرشي المالكي " كل طلاق حكم الحاكم أو نائبه بإنشائه : فإنه يكون بائنا ، إلا
الطلاق على المولي والمعسر بالنفقة فإن الطلاق عليهما رجعي" انتهى من " شرح مختصر
خليل للخرشي " (4 / 16).
أما إن كان زوجك هو من أوقع عليك الطلاق ، ولم يجبر عليه : فإن الطلاق حينئذ واقع
معتد به شرعا , ولكنه في هذه الحالة يقع طلاقا رجعيا يملك الزوج معه إرجاعك – ما
دمت في العدة - دون عقد أو مهر جديدين , وقد بينا أحكام الرجعة في الفتوى رقم : (175184)
.
والنصيحة لك في هذا المقام سواء حكم بوقوع الطلاق أو عدم وقوعه : أن تخاطبي زوجك
وتذكره بالله , وتعلميه بما هو واقع فيه من تضييع لحقوق الله ، فإن اعترف بتقصيره
وتاب إلى الله سبحانه ، ولمست في كلامه الصدق : فالأولى أن تكملي معه مسيرة الحياة
, أما إن لم يكن هناك رجاء في توبته : ففارقيه ، وعودي إلى بلدك ، متى أمكنك ذلك .
وينظر جواب السؤال رقم : (9497)
, ورقم : (172983).
والله أعلم ..