عنوان الفتوى : انتكس زوجها وغير معاملته لها وارتكب المحرمات فماذا تصنع ؟

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

أنا امرأة متزوجة منذ عشر سنوات ، ولدي ولدان وبنت ، لم أتزوج عن حب ، ولكن أحببت زوجي كثيراً ؛ لأنه كان في بداية زواجنا يقدرني ويناقشني في كل أموره ، وكان يُسمعني من كلمات الحب والغرام حتى أحببته بكل جوارحي ، وبصراحة كان يصلى في المسجد ، ويساعدني في كل شيء ، في تربية الأولاد ، وأعمال المنزل ، وبعد أربع سنوات من عمر الزواج بدأ يكوِّن علاقات مع الشباب ، وصدفة اكتشفت أنه يدخن الشيشة ، وحزنت كثيراً عندما عرفت ذلك ، ووعدني بأنه لن يفعلها مرة أخرى ، ولكن للأسف الشديد فهو ما زال يدخن الشيشة وبإدمان لدرجة أنه يذهب إلى المقهى خلال فترة الصباح لكي يدخنها ، وعندما منعته صرخ في وجهي بأن لا أتدخل في شؤونه ، مع العلم بأنه مقصِّر في حقي وحق أولاده ، وأصبح مشغولاً جدّاً مع أصدقائه ، لدرجة أنه عندما يخرج في الصباح لا يرجع إلا آخر الليل ، وحاولت أن أًدخل أهله في الموضوع ، ولكن دون جدوى ، فهو لا يسمع لأحد . أنا في حيرة من أمري ، فهو عصبي جدّاً معي ، ولكن مع أصدقائه يضحك ويمرح ، كما أنه عندما أطلب منه أن نخرج معاً لا يرضى ، وإذا خرجنا فإنه طوال الوقت صامت لا يتكلم ، ويكون مشغولاً بالهاتف ، إما برسائل ، أو الرد على المكالمات ، لدرجة في بداية الأمر ظننت بأن له علاقة بغيري ، ولكن حسب تصرفاته أراه فقط مشغولاً بالأصدقاء ، وأنا أحبه وأريده بكل جوارحي . ملاحظات : كان يصلِّي في المسجد ، والآن تمر عليه صلوات دون أن يصليها ، يُكثر من تجريحي وإهانتي ، يصرخ في وجهي أمام الأولاد ، وأمام أي شخص دون مراعاة لمشاعري ، كثير الرحلات مع الأصدقاء ، مدمن الشيشة ، مسرف في ملابسه وأناقته ، ولا يبالي بنواقص واحتياجات المنزل والأولاد ، كثير الديون ، ولا يملك أي شيء ثمين ، علماً بأني أعمل وأصرف على نفسي ، وأدفع الإيجار ، وراتب الشغالة ، وكثيراً من مصاريف البيت ، وهو لا يبالى ، فكيف أتصرف معه ؟ .

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله
أولاً :
مشكلات بيوت الزوجية كثيرة ، وإذا كانت هذه المشكلات من طرف الزوج : فلا بدَّ للمرأة العاقلة من البحث عن أسباب تغير معاملة زوجها لها ، وسبب إحداثه المشكلات في حياتها ، فقد تكون مخالِفة لأوامره ، معاندة في تصرفاتها ، أو مقصرة في طاعته ، أو مهملة في بيتها وتربية أولادها ، وغير ذلك من الأسباب ، ولا يُتصور وجود حياة زوجية سعيدة ، ثم تنقلب الأمور فجأة إلى كراهية الزوجة ، وحب السهر خارج البيت ، وشرب الشيشة ، وغيرها إلا أن تكون ثمة أسباب دفعت هذا الزوج لمثل هذه الأفعال ، وإن كنا نعلم أنه في كثير من الأحيان لا يكون للزوجة يد في هذه الأسباب ؛ بل تكون انتكاسة ألمت بالرجل بعد استقامته ، نسأل الله الثبات والهداية ، أو رفقة سوء أحاطت به ، حتى أضلته عن صراط ربه المستقيم ، ومصالح معاشه ومعاده ، كما هو الظاهر من المشكلة التي أمامنا .

وإذا تبين للزوجة أن لا دخل لها فيما حدث لزوجها من تغيرات : فإنه ابتلاء من الله لها ، فعليها أن تختار بين الصبر على ما يفعله زوجها ، مع مداومة النصح والدعاء ، أو طلب الفراق ، إذا لم يمكنها الصبر على أذاه ، أو كانت تخشى على نفسها أو دينها أو ولدها إذا بقيت معه ، أو وصل في معصيته إلى حد الكفر ، والعياذ بالله .
ثانياً :
على الزوجة أن تبذل وسعها في نصح زوجها ، وتذكيره ، بالتي هي أحسن ، ولا تعنِّف في الكلام ، ولا تعبس في وجهه ، بل تتلطف في اللفظ والمعاملة ، وتخبر أهلها ليجعلوا أحد المقربين له من أهل الخير ينصحه ويذكره ويوجهه للصواب ، مع حرصها على الدعاء في سجودها ، وفي آخر الليل أن يهديه ربه ويوفقه .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
لا يجوز للزوج أن يعامل زوجته معاملة سيئة ؛ لأن الله تعالى يقول : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( وإن لزوجك عليك حقًا ) - رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما - ، وإذا أساء عشرتها : فإنه ينبغي لها أن تقابل ذلك بالصبر ، وأن تؤدي ما له عليها من حق ؛ ليكون لها الأجر في ذلك ، ولعل الله أن يهديه ، قال الله تعالى : ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصّلت/34 .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 4 / 177 ) .

وإذا كان ثمة معاصٍ يرتكبها وتستطيع الزوجة الصبر عليها : فإن تركه للصلاة ليس من هذا الباب ؛ لأن ترك الصلاة كفر وردة ، فلا تمكنه منها إلا أن يرجع لصلاته .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
امرأة عند رجل يرتكب بعض المعاصي والآثام الكبيرة ، كالمخدرات ، ونحو ذلك ، وهي تعاني من هذا الرجل ، وهي امرأة فيها صلاح ، وإيمان - نحسبها كذلك ، والله حسيبها - ماذا تعمل هذه المرأة وقد نصحت واهتمت لكي يترك هذا الرجل هذا المحرم ، ويعود إلى الله سبحانه وتعالى ، ولكن بدون جدوى ؟ فما رأيك ؟ هل تذهب إلى أهلها أو تصبر لعل الله يهديه ؟ وكذلك أبناؤه يمنعهم من الصلاة .
فأجاب :
هذا الرجل الذي يفعل المحرمات هل يصلي أم لا يصلي ؟ .
السائل :
يصلي بتهاون ، أحياناً في البيت ، وأحياناً في العمل ، وأحياناً يتأخر .
الجواب :
أرى أنها إذا نصحته ولم يستفد : فلها الحق في طلب الفسخ ، ويفسخ النكاح ، لكن على كل حال مثل هذه الأمور قد يكون هناك أشياء ما تتمكن معها من الفسخ ؛ لأنها معها أولاد ، يحصل مشاكل في الفسخ ، فإذا لم تصل معصيته إلى حد الكفر : فلا حرج عليها أن تبقى معه ؛ خوفاً من المفسدة ، أما إذا وصلت إلى حد الكفر مثل كونه لا يصلي : فهذا لا تبقى معه طرفة عين .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 13 / السؤال رقم 18 ) .
ثالثاً :
يجب على الأزواج أن يتقوا الله تعالى في زوجاتهم ، ولْيعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بعشرتهن بالمعروف ، وأمرهم بإمساكهن بمعروف ، وأخبرهم أنه قد يكره الواحد منهم زوجته ويجعل الله فيها خيراً كثيراً ، وهكذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه إن ساءه منها خلُق فليرض بما لها من أخلاق حسنة .
قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/من الآية19 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ - أَوْ قَالَ : غَيْرَهُ - ) . رواه مسلم ( 1469 ) .
وليعلم هؤلاء الأزواج أن قدوتهم هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان خير زوج لنسائه .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وقوله : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) أي : طيِّبُوا أقوالكم لهن ، وحَسّنُوا أفعالكم ، وهيئاتكم ، بحسب قدرتكم ، كما تحب ذلك منها ، فافعل أنت بها مثله ، كما قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/228 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي ) - رواه الترمذي ( 3892 ) وصححه - ، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جَمِيل العِشْرَة ، دائم البِشْرِ ، يُداعِبُ أهلَه ، ويَتَلَطَّفُ بهم ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين ؛ يَتَوَدَّدُ إليها بذلك ، قالت : سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم ، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني ، فقال : ( هذِهِ بتلْك ) – رواه أبو داود ( 2578 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " - ، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها ، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب/21 .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 242 ) .

ولعل جزءا كبيرا من العلاج يكمن في إبعاد زوجك عن صحبة السوء التي شغلته عن بيته وأهله ودينه ؛ فإن أمكن الاستعانة على ذلك برفقة صالحة من أهله تغنيه عن رفقاء السوء الذي أفسدوا حاله ، فهو أمر حسن .
ثم عليك أنت أيضا أن تستعيني بالله في تعويضه عن هذه الرفقة بالسكن والمودة والرحمة التي تشيعينها في بيتك ، عسى الله أن يجعل لك ولزوجك من ذلك البلاء فرجا ومخرجا .
ونسأل الله تعالى أن يهدي زوجك ، وأن يوفقه لمرضاته ، وأن يجمع بينكما على خير .
وانظري جوابي السؤالين ( 45600 ) و ( 9463 ) .

والله الموفق