عنوان الفتوى : انتفاع الفقير التائب مما اكتسبه من مال حرام
جزاكم الله خيرا على مجهوداتكم، في إطار الفتوى رقم: 2322042، فهمت أنه يجب علي إخراج مال بقدر ما اكتسبته من عملي في البنك، لأنني وإن اقتنعت متأخرا بحرمة العمل في البنك فقد بقيت مدة قبل أن أقرر الخروج، قضيت إجمالا 18 شهرا كنت أحصل فيها على مبلغ خام حوالي 8000 درهم مغربي، والآن بعد أكثر من 3 سنوات من مغادرتي أتقاضى 8500 درهم صافية ولم أصرف بعد أي شيء مما حصلت عليه في البنك، ومن بين ما يصرف فيه مالي الدراسة التي أتابع للحصول على شهادة خبير محاسب حيث سيكون علي في العام المقبل ـ وهي آخر سنة إن شاء الله ـ دفع مبلغ 9500 درهم، أتوجه إليكم لأنني شاب في السادسة والعشرين من العمر وغير متزوج، ولا أدري ما هو الواجب علي الآن، فهل أصبر عن الزواج حتى أقضي ما علي؟ أم أتزوج، علما أني أؤجر بحوالي 3000 درهم ويلزمني مصروف شخصي بحوالي 3000 درهم، ولا أحب أن تعمل زوجتي لكثرة الفتن التي تتعرض لها النساء في زماننا كما لا يخفى عليكم؟ وإذا كان الأوجب قضاء ما علي فهل يمكن صرفه إلى أبي لسداد قرض ربوي كان قد حصل عليه؟ وإذا كان الأولى تقديم الزواج هل يجب أن أصارح الزوجة في فترة الخطبة بوجود دين علي قضاؤه؟ أم أترك هذا الأمر لنفسي؟ وفي كلتا الحالتين هل يجب علي إذا أمكن تخصيص جزء شهري أقوم بإخراجه؟ أم أنتظر حتى يجتمع لدي المبلغ كاملا؟ وهل إذا اجتمع عندي مبلغ يسمح لي بالحج أتقدم لطلب الذهاب إلى الحج؟ أم أن الحج غير واجب إذا كان علي إخراج مال حرام؟ علما أن عملي الحالي خبير محاسب فيه بعض المخالفات من خلوة وصلاة فردية رغم وجود مسجد غير بعيد، علما أن حصولي على شهادة خبير محاسب يستلزم تمريني لدى خبير محاسب وأتمنى إن شاء الله بعد حصولي على الشهادة ـ ربما بعد سنتين أو ثلاث ـ فتح مكتب في المدينة التي بها والدي لأكون قريبا منهما والذي أرجو أن يتيح لي الابتعاد عن الشبهات وتخصيص وقت لطلب العلم الشرعي ولكن فتح المكتب يتطلب مصاريف وربما صبر بعض الشهور بدون راتب، فلا أدري هل إذا خصصت مالا لإخراجه كل شهر أو تزوجت وربما يكون هناك أولاد هل سأستطيع فتح ذلك المكتب أم أن هذا التخطيط خوض في الغيب ويجب علي الانشغال بالحاضر دون المستقبل؟ أرجوكم أن تعذروني على الإطالة وعلى إقحامكم في مشاكلي، ولكنني أتوجه إليكم لثقتي في علمكم وفي أمانتكم، بارك الله فيكم وأشكركم مسبقا على إفادتكم لي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فديننا يسر بحمد الله تعالى ونعمته، ومن كان في مثل حال السائل وتاب من كسب حرام، ووجب عليه أن يتخلص من قدر هذا المال الذي اكتسبه عالماً بحرمته، ثم لم يجد هذا المال فلا يلزمه إلا التوبة، بل لو كان هذا المال الحرام لم يزل في يده وهو فقير محتاج إليه جاز له أن يأخذ منه بقدر حاجته دون زيادة، أسوة ببقية الفقراء، قال النووي نقلاً عن الغزالي في معرض كلامه عن المال الحرام والتوبة منه: وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أول من يتصدق عليه. اهـ.
وراجع في ذلك الفتويين رقم: 66661، ورقم: 140076.
والعاجز عن تكاليف الزواج يعتبر من الفقراء، حتى إنه يجوز له الأخذ من أموال الزكاة بقدر ما يمكنه من الزواج، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 54021.
فأولى أن يأخذ من هذا المال لزواجه، وأما ما يتعلق بالحج: فقد سبق أن أجبنا السائل عنه في الفتوى رقم: 139404.
وأما إقدام السائل على الزواج مع ضعف وضعه المادي، فلا مانع منه، فالزواج لأجل العفاف سبب من أسباب الغنى، كما قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور: 32}.
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 76016، 123537، 120028.
والله أعلم.