عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في الوصية لوارث
أوصت لي أمي قبل موتها بالثمن الذي ورثته من أبي. فهل هذه وصية صحيحة أم لا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإيصاء الأم بميراثها لابنتها هو وصية لوارث، وهي باطلة إلا إذا أمضاها ورثة الأم، فتصح عند أكثر أهل العلم.
جاء في المغني لابن قدامة: وجملة ذلك أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية، فلم يجزها سائر الورثة، لم تصح. بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر، وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا. وجاءت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فروى أبو أمامة، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث» . رواه أبو داود. وابن ماجه، والترمذي. وإن أجازها، جازت، في قول الجمهور من العلماء. وقال بعض أصحابنا: الوصية باطلة، وإن أجازها سائر الورثة، إلا أن يعطوه عطية مبتدأة. أخذا من ظاهر قول أحمد، في رواية حنبل: «لا وصية لوارث» . وهذا قول المزني، وأهل الظاهر. وهو قول للشافعي، واحتجوا بظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا وصية لوارث ". وظاهر مذهب أحمد والشافعي، أن الوصية صحيحة في نفسها. وهو قول جمهور العلماء؛ لأنه تصرف صدر من أهله في محله، فصح، كما لو وصى لأجنبي، والخبر قد روي فيه «إلا أن يجيز الورثة» . والاستثناء من النفي إثبات، فيكون ذلك دليلا على صحة الوصية عند الإجازة، ولو خلا من الاستثناء كان معناه لا وصية نافذة أو لازمة، أو ما أشبه هذا، أو يقدر فيه: لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة. انتهى.
والإجازة من الوارث تكون نافذة إذا كان بالغا عاقلا رشيدا، فلا عبرة بإجازة الصبي أو المجنون أو السفيه، لأن إمضاء
الوصية من قبيل التبرع.
قال ابن قدامة أيضا: ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف. فأما الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه، فلا تصح الإجازة منهم؛ لأنها تبرع بالمال، فلم تصح منهم، كالهبة. انتهى.
وبناء على ما سبق فإن أمضى ورثة أمك هذه الوصية وكانوا ممن يصح التبرع منهم فهي وصية نافذة لك، وتملكينها عند أكثر أهل العلم، وإن لم يجيزوها فهي باطلة. وإن أجازها البعض، أو كان بعض المجيز ممن لا تصح إجازته، فإنها تصح في حصة من أجاز ممن تصح إجازته دون غيره.
والله أعلم.