عنوان الفتوى : ألوية ورايات النبي وأعلام الدول المعاصرة
سؤالي يتعلق بالرايات أو الأعلام بصفة عامة، و ما يسمى "راية العقاب" بصفة خاصة (علم أسود كتب عليه بالأبيض لا إله إلا الله) حيث يدعي البعض أن هذه كانت راية رسول الله صى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يرفع المسلمون غيرها. بحثت فلم أجد سندا لهذا القول، علما أن هذا الموضوع يكاد يتسبب في فتنة بين الشباب "الملتزمين" وباقي المجتمع التونسي حيث قام أحدهم مؤخرا بإنزال علم تونس ورفع العلم الآخر مكانه مما تسبب في معركة عنيفة ولا حول ولا قوة إلا بالله. هل هناك سند شرعي لاعتماد هذه الراية؟ وكيف نتعامل مع مثيري هذه الفتنة خاصة في إطار الجامعة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم والطبراني في الأوسط من طريق حيان بن عبيد الله، عن أبي مجلز، عن ابن عباس، قال: "كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواءه أبيض، مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله". قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به: حيان بن عبيد الله اهـ.
وقد رواه ابن عدي في (الكامل في الضعفاء) في ترجمة حيان هذا، وقال: وَلِحَيَّانَ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ وَعَامَّةُ مَا يرويه إفرادات ينفرد بها. اهـ.
وقال عنه الذهبي في (تاريخ الإسلام): له مَنَاكِيرُ وَغَرَائِبُ، وَمَا رَأَيْتُ أحدا وهَّاه. اهـ. وأعله الهيثمي في (مجمع الزوائد) بحيان.
والحديث ضعفه الشوكاني في (نيل الأوطار). وقال ابن حجر في (فتح الباري): سنده واه. وقيل: كانت له راية تسمى العقاب سوداء مربعة. وراية تسمى الراية البيضاء وربما جعل فيها شيء أسود اهـ.
وقد رواه الترمذي وابن ماجه من وجه آخر عن أبي مجلز به، دون ذكر الكتابة، بلفظ: " كانت سوداء ولواؤه أبيض".
وأما اللون فروي فيه آثار أخرى، منها عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح ولواؤه أبيض. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني.
ومنها عن البراء بن عازب وقد سئل عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت؟ فقال: كانت سوداء مربعة من نمرة. رواه أبو داود والترمذي. وصححه الألباني دون قوله "مربعة".
ومنها ما رواه أبو داود بإسناده فيه راو مبهم عن رجل من قومه قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء. وضعفه الألباني.
وأما راية العقاب ففيها عدة أحاديث ضعيفة رواها ابن عدي، وأوردها ابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ (3/ 1824 ، 1826 / 4185 ، 4186 ، 4188). وقال الصالحي في (سبل الهدى والرشاد): كان له صلى الله عليه وسلم راية سوداء ربعة من صوف، لونها لون النّمرة، وتسمى العقاب، وأخرى صفراء اهـ.
وقال ابن القيم في (زاد المعاد) في ذكر فوائد وفد صداء: فيها: استحباب عقد الألوية والرايات للجيش، واستحباب كون اللواء أبيض، وجواز كون الراية سوداء من غير كراهة اهـ.
وقد عقد ابن ناصر الدين الدمشقي في (جامع الآثار 8 / 5 : 9) فصلا عن راية النبي صلى الله عليه وسلم.
وبذلك يتبين أن الراية واللواء إنما كانت مختصة بأمر الحروب والجهاد.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): الراية بمعنى اللواء، وهو العلم الذي في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمقدم العسكر اهـ.
ولا نعلم أحدا من أهل العلم أوجب أن تكون راية المسلمين أو لواؤهم في الحرب على هيئة مخصوصة أو لون معين.
وأما الأعلام المعاصرة المعروفة لكل دولة، فإنها تمثل هذه الدول، وتعتبر رمزا لها، فيكون لها من الاحترام والتقدير والانتماء بحسب موافقة نظام الدولة لدين الله تعالى وشريعته الغراء. وعلى ذلك فالمنبغي هو السعي لتعديل نظام الدولة ليوافق الشريعة، لا النظر إلى شكل العلم.
وأما الحال التي ذكرها الأخ السائل والفتنة التي أشار إليها في سؤاله، فإن مُحدِثها لم يحالفه التوفيق، فإثارة مثل هذه المسائل على هذا النحو تخالف العقل ولا توافق الشرع؛ وفيها من الرعونة والخفة ما يضر ولا ينفع، ويؤخر ولا يقدم.
ونوصيكم بالرفق مع هؤلاء الشباب، ومحاورتهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن، وأن تجتمعوا جميعا وتتوجه هممكم إلى الدعوة إلى الله تعالى، وإيضاح معالم هذه الشريعة الغراء، وبيان حقيقة هذا الدين وترغيب الناس في التمسك به، والالتزام بأحكامه عن رضا وقناعة، وأن يصبحوا من جنده وأنصاره والدعاة إليه على بصيرة. فإن أثر العقود السابقة على عقول الناس وأفهامهم لا يمكن إغفاله، فلا بد أن يواجه ذلك بدعوة ببصيرة، وحكمة في التعامل وترتيب للأولويات. فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا ....
ونسأل الله تعالى أن يهدي المسلمين جميعا لما فيه نصرة دينه وإعزاز شريعته.
والله أعلم.