عنوان الفتوى : ضوابط جواز التورق البنكي
التورق البنكي. لقد بحثت كثيرا في هذا الأمر، ووجدت من يجيز هذه المعاملة، وووجدت من لا يجيزها. المعاملة هي كالتالي كما يوضحها البنك عن نفسه : يقوم على شراء العميل كمية معينة من السلع التي يمتلكها البنك ويعرضها على عملائه، يشتريها العميل بالتقسيط ثم يبيعها (إذا رغب) لطرف ثالث (السوق) عن طريق مورد السلع. وتقوم الهيئة الشرعية بمراقبة جميع إجراءات وخطوات هذا المنتج لضمان الالتزام بالأحكام والضوابط الشرعية. الحرج هنا في أن من لا يجيز هذه المعاملة يستند إلى الآتي: أولا : مسأله القبض الشرعي حيث يشترط أن تنتقل السلعة إلى حيازة وضمان طالب التورق، ولكن هذا من الأمر الصعب حيث على سبيل المثال لا أستطيع أن أنقل كميات كبيرة من الأرز وأوفر لها مكانا للتخزين وهكذا. ثانيا : مسألة توكيل الطرف الثالث للبيع حيث من لا يجيز يوضح أن الطرف الثالث في العادة وفي الغالب لا يستطيع بيع كل هذه الكميات في السوق، وبالتالى يشتريها مرة ثانية، وتصبح كأنها بيع العينة. فكيف أتصرف في مسألة شائكة كهذه لها من يجيزها ولها من لا يجيزها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت هنالك هيئة رقابة شرعية تتابع المعاملة حتى اكتمالها فلا حرج في تقليدها إن كان موثوقا بها علما وورعا.
ومسألة بيع السلع قبل قبضها محل خلاف عند أهل العلم باستثناء الطعام فإنهم اتفقوا على عدم جوازه. وإن كنا نرى رجحان القول بلزوم القبض في المبيع قبل بيعه سواء طعاما أوغيره، لكن لا يشترط فيه نقل السلع وتوفير مخازن لها، بل يكفي فيه ما يعد قبضا حقيقة أوحكما، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض، قال ابن عباس: لا أحسب كل شيء إلا مثله. أي مثل الطعام. ولمسلم: كل شيء بمنزلة الطعام. والقبض يكون في كل شيء بحسبه، فمنه ما يكون بالتخلية، ومنه ما يكون بالحيازة، وهكذا. والقبض الحكمي يقوم مقام القبض الحقيقي، ومن القبض الحكمي للسلع المستوردة من الأسواق الخارجية استلام المشتري لمستندات الشحن ونحو ذلك من أنواع القبض.
قال النووي في المجموع: الرجوع فيما يكون قبضا إلى العادة، وتختلف بحسب اختلاف المال. اهـ
وجاء في مجلة المجمع الفقهي الإسلامي 6/1/453: إن كيفية قبض الأشياء تختلف بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضا لها، فكما يكون القبض حسيا في حالة الأخذ باليد أو النقل أو التحويل إلى حوزة القابض أو وكيله، يتحقق أيضا اعتبارا وحكما بالتخلية مع التمكين من التصرف، ولو لم يوجد القبض حسا، بما في ذلك المنقولات إذا جرى بها العرف يعد قبضا حكميا، تسلم البنك أو وكيله لمستندات الشحن عند شراء البضائع من السوق الخارجية، وكذلك تسلمه لشهادات التخزين التي تعين البضاعة من المخازن التي تدار بطرق مناسبة موثوق بها. فرز البضاعة المشتراة من قبل البنك في مخازن البائع بصورة مميزة يعد قبضا صحيحا لها إذا اقترن بأحد الأمور الآتية : أ- إذا تم الفرز بمعاينة مندوب البنك. ب- إذا تسلم البنك أوراقا تثبت ملكيته للسلع المفرزة. ت- إذا كانت السلع مرقمة وسجلت أرقام السلع المفرزة لصالح البنك. اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية 9/132/134. بتصرف يسير: وبما أن قبض الأشياء مبني على العرف، فإن قبض الأشياء المستجدة يكون أيضا حسب ما يتعارفه الناس، فهنالك صور للقبض مستحدثة كما في قبض الشيكات والكمبيالات والقيد على الحساب ووثائق الشحن ونحوها.اهـ
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن القبض وبخاصة صوره المستجدة ما يلي: أولا : قبض الأمور كما يكون حسيا في حالة الأخذ باليد أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارا وحكما بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسا. وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضا لها. اهـ
وأما مسألة توكيل المشتري غيره في ذلك ولو كان الوكيل هو البائع الأول للبنك فلا حرج، ولو اشتراها لنفسه عن إذن من البائع فلا حرج أيضا ما لم يكن هنالك توطأ على ذلك بينهما في المعاملة، فإن حصل تواطأ بين البائع الأول والآمر بالشراء كانت المعاملة حيلة على العينة وحرم الدخول فيها، وإن لم يحصل تواطأ ولم يجر العرف العملي بذلك فلا حرج وشبهة العينة حينئذ ضعيفة . وانظر الفتوى رقم: 5987.
والله أعلم.