عنوان الفتوى : الانتصار للنفس جائز والعفو أفضل
أنا أعمل مع نصراني، وقد طردني من العمل عنده، وأهانني أمام العمال، وقال لي إنه سيوسعني ضربا عندما كان غاضبا بسبب عامل أبلغه كذبة، وحتى الآن لم يدفع راتبي الشهري بسبب عدم ملكه المال الكافي حتى الآن. وأنا لم أرد أن أوكزه خوفا من أن أقتله، واستعذت من الشيطان وابتعدت عنه وتركته في حاله. أنتظر رأيكم الشرعي في ما فعلت؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في التحري ومعرفة حكم الشرع فيما تعمله، واعلم أن العفو والسماح عن المسيء خلق فاضل حث عليه الشرع، ويشرع أن يعامل به الكفار، ولا سيما إذا كان يؤمل أن يهتدوا ويتأثروا بأخلاق الإسلام، فقد أمر الله نبيه بالصفح عن الكفار فقال: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {المائدة:13}، وقال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ {الأعراف:199}.
فإن استصعب على المسلم أن يقابل الإساءة بالإحسان، وأن يعفو عن ظالمه، ويعرض عن سفهه، فله أن يقتص لنفسه بقدر مظلمته، دون تعد ولا بغي، فيسب الظالم مقابل سبه ولا يجوز قتله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم. رواه مسلم.
ففي هذا الحديث جواز الانتصار بشرط تحقيق المثلية وعدم التعدي.
قال النووي: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له. وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}. وقال تعالى: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}. ومع هذا فالصبر والعفو أفضل؛ قال الله تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. ولحديث: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام، كما قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه. فمن صور المباح أن ينتصر بـ: يا ظالم، يا أحمق، أو جافي، أو نحو ذلك، لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف. اهـ. وقد سبق لنا تفصيل ذلك في الفتويين: 114087، 30075 .
والله أعلم.