عنوان الفتوى : حكم بيع الفضولي بحضور المالك
عائلة مكونة من أربعة أولاد، وست بنات، وكلهم متزوجون، واحد من الأولاد متوفى ولديه ولد، وواحدة من البنات مطلقة، وواحدة مدرسة وهي الوحيدة موظفة. الأب متوفى من زمان، وتولت الأم تربية وإعالة الأولاد حتى زوجتهم جميعا، عدا البنت الصغيرة الموظفة؛ لأنها توفيت قبل ذلك. والأم قبل وفاتها تصرفت فيما تملك من أشياء خاصة بها كملابس وغيرها ومقتنيات متنقلة ومنها الذهب، ولم تبق سوى خاتمين وسلس، وقالت إنهما لابنتها الصغيرة ، علما بأن الابنة الصغيرة الموظفة كانت قد اشترت لأمها ذهبا كهدايا والأم تصرفت فيه، والذهب المتبقي هو هدية من أبنائها أيضا ، وعند وفاة الأم قالت الأخت الكبرى ذهب أمي لروحها، فقامت الأخت الصغرى بالعمل بما قالت الأخت الكبرى بعد مشاورة أخواتها وقامت بوزن الذهب المتبقي وقامت بإخراج قيمة الذهب من راتبها، والتصدق به لروح أمها، واحتفظت بالذهب لنفسها كذكرى من أمها . وبعد مرور سبع سنوات من وفاة الأم قامت الأخت المطلقة بمطالبة الأخت الصغيرة بذهب أمها، فردت عليها أنه لم يبق من ذهب أمها شيئا، وأخبرتها ما فعلت به فلم تصدقها، وقالت إنهن لم يستشرنها، وإن لها نصيبا من ذهب أمها إذا لم يكن كله لأنها المطلقة ، علما بأن الأم في حياتها قامت ببيع جزء من ذهبها وأعطته لها دون البقية من البنات، وهي التي حصلت على الكثير من مقتنيات أمها بحجة أنها مطلقة. أفتونا ماذا تفعل الأخت الصغيرة؟ جزاكم الله خيرا .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقول الوالدة قبل وفاتها عن هذه المشغولات الذهبية: (أنها لابنتها الصغيرة). لا يظهر منها أنه وصية لأنه لا بد في صيغة الوصية من لفظ يدل على التمليك بعد الموت كقولها وصيت بكذا أو هي لها بعد موتي أو نحو ذلك. وعليه، فإذا لم يصح أن تكون هذه العباراة وصية فالأقرب هنا أنها هبة، فإذا كانت الموهوب لها قد حازت هذه الهبة وقبضتها قبل موت الواهبة فقد تمت الهبة وصارت المشغولات هذه ملكا خاصا للبنت الصغرى، ولا حق لأحد من الورثة فيها. أما إن لم يحصل حوز ولا قبض حتى ماتت الواهبة فالهبة تبطل بموت الواهب قبل قبض الموهوب له عند جمهور العلماء، وبالتالي فهذه المشغولات من جملة التركة فيجب قسمها على مقتضى الأنصبة الشرعية على جميع الورثة الأحياء عند وفاة الأم.
فإن كانت الأخت الصغرى قامت بما قامت به بعد مشاورة جميع الورثة وإذنهم، فلا يلزمها شيء لأختها المطلقة ولا غيرها. وأما إن كانت قد استأذنت بعضهم دون بعض، فمن لم يُستَأذَن منهم لا يسقط حقه في التركة، وعلى الأخت الصغرى ضمان حقه الذي هو نصيبه من التركة فحسب. وراجعي في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 126848، 57356، 103611، 74636.
وعليه، فإن كانت الأخت المطلقة لم تأذن في التصدق بنصيبها لثواب أمها، فلها الحق في المطالبة به، ويجب على من تصرف فيه بغير إذنها أن يضمنه لها. فإن كانت الأم ماتت عن ثلاثة أبناء ذكور وست بنات، فنصيب هذه الأخت المطلقة سهم من اثني عشر سهما من التركة. فلو كانت قيمة التركة 1200 مثلا، فنصيبها 100.
هذا، وإن كانت الأخت المطلقة قد علمت بما أشارت به أختها الكبرى، وأن أختها الصغرى ستقوم بذلك، فسكتت ولم تعترض، ففي بقاء حقها نظر وخلاف، لأن سكوتها هذا يمكن اعتباره إقرارا منها لهذا الصنيع، وقد اختلف أهل العلم في ما إذا تصرف الفضولي في ملك الغير ببيع في حضور المالك، فسكت في حال كونه أهلا للتصرف، ولم يمنعه من البيع، فقال المالكية: إن بيع ماله بحضرته وهو ساكت لزمه البيع، ولا يعذر بسكوته إذا ادعاه. فإن مضى عام وهو ساكت سقط حقه في الثمن أيضا. اهـ. من (الموسوعة الفقهية).
وفي حاشية الصاوي على (الشرح الصغير) للدردير عند قَوْلُهُ: "مَا لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِحَضْرَتِهِ" قال: وكذا إذا بلغه بيع الفضولي وسكت عاما من حين علمه من غير مانع يمنعه من القيام، ولا يعذر بجهل في سكوته. اهـ.
وعلى هذا فلا يكون لهذه الأخت حق في المطالبة بعد مرور سبع سنوات.
وعلى أية حال فمرد الحكم وفصل النزاع في مسائل التركات وسائر الحقوق المشتركة إلى المحكمة الشرعية التي تنظر وتحقق وتدقق وتبحث في الأمور الخفية لإيصال الحقوق لذويها، ولا يصح الاكتفاء فيها بمجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه.
والله أعلم.