عنوان الفتوى : حكم العهد والإقٌدام على النذر
أنا مصري أعمل مهندسا بالسعودية, ومنذ بدأت العمل هنا منذ حوالي سنتين, عاهدت الله أن أخرج ربع مالي صدقة أقسمها بين الأهل والفقراء، والمشكلة أنني أحيانا تمر علي شهور لا يكاد يبقي من راتبي ما يكفيني وأسرتي, وأحيانا يتنهي الشهر وما عدت أملك شيئا أدخره من ذلك الشهر، وهذا يعرضني أحيانا لضغط نفسي بفتح باب لنفسي وللشيطان بأن أعيد التفكير في مسألة إخراج ربع الراتب وما إن كانت مشقة زائدة كتبتها على نفسي ولم يكتبها الله علي كما فعل رهبان النصاري، ولكن أعود وأقول لنفسي إنني بما أفعل يكون لي دور إيجابي في مجتمعنا الذي أصبح يعج بالسلبية وأصبح كثير من الناس لا يعيش إلا لنفسه، فما رأيكم في ما أفعل وما أفكر فيه؟ وهل أنا فعلا كتبت على نفسي فعلا رهبانيا لا داعي له؟ أم أنه شيطاني ونفسي الأمارة بالسوء؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان العهد مجرد نية لم تتلفظ به بلسانك فلا يلزمك به شيء, وأما إن كنت تلفظت بلسانك بهذا اللفظ كأن قلت أعاهد الله على كذا فللعلماء خلاف بما يلزم بهذا اللفظ وهل هو يمين تنحل بالكفارة، أو هو نذر يجب الوفاء به، أو لا يلزم به شيء أصلا؟ وانظر لتفصيل ذلك الفتوى رقم: 133847، وما أحيل عليه فيها.
وأحوط الأقوال أنه يكون نذرا يجب الوفاء به وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وفي هذه الحال يجب عليك أن تفي بنذرك, وأنت مأجور على ما تفعله من الخير وتبذله صدقة من مالك, والمرجو من فضل الله تعالى أن يثيبك في الدنيا والآخرة وأن يخلف عليه عوض ما تتصدق به مصداق قوله جل اسمه: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {سبأ:39}.
وأما حكم ما أتيت به ابتداء على القول بأنه نذر فينبني على خلاف العلماء في حكم النذر, وللعلماء في حكم ابتداء النذر خلاف معروف, ولعل أرجح الأقوال ـ إن شاء الله ـ أن المكروه هو نذر المجازاة، وهو النذر المعلق على شرط, وأما نذر التبرر فلا يكره، وبه تعلم أن ما أقدمت عليه لا حرج فيه ـ إن شاء الله ـ ونحن نسوق هنا للفائدة كلام العلامة الشنقيطي في بيان خلاف العلماء في حكم ابتداء النذر وبيان الراجح من الأقوال, قال عليه الرحمة: اختلف العلماء في حكم الإقدام على النذر, فذهب المالكية: إلى جواز نذر المندوبات إلا الذي يتكرر دائما كصوم يوم من كل أسبوع، فهو مكروه عندهم, وذهب أكثر الشافعيه: إلى أنه مكروه, ونقله بعضهم عن نص الشافعي للأحاديث الدالة على النهي عنه، ونقل نحوه عن المالكية أيضا, وجزم به عنهم ابن دقيق العيد وأشار ابن العربي إلى الخلاف عنهم, والجزم عن الشافعية بالكراهة، وجزم الحنابلة بالكراهة, وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم, وتوقف بعضهم في صحتها, كراهته مروية عن بعض الصحابة اهـ بواسطة نقل ابن حجر في الفتح، وجزم صاحب المغني: بأن النهي عنه نهي كراهة، قال مقيده ـ عفا الله عنه ـ وغفر له: الظاهر لي في طريق إزالة هذا الإشكال, الذي لا ينبغي العدول عنه: أن نذر القربة على نوعين:
أحدهما: معلق على حصول نفع كقوله: إن شفى الله مريضي فعلي لله نذر كذا، أو إن نجاني الله من الأمر الفلاني المخوف فعلي لله نذر كذا, نحو ذلك.
والثاني: ليس معلقا على نفع للناذر, كأن يتقرب إلى الله تقربا خالصا بنذر كذا, من أنواع الطاعة, وأن النهي إنما هو في القسم الأول, لأن النذر فيه لم يقع خالصا للتقرب إلى الله, بل بشرط حصول نفع للناذر وذلك النفع الذي يحاوله الناذر هو الذي دلت الأحاديث على أن القدر فيه غالب على النذر وأن النذر لا يرد فيه شيئا من القدر.
أما القسم الثاني: وهو نذر القربة الخالص من اشتراط النفع في النذر, فهو الذي فيه الترغيب والثناء على الموفين به المقتضي أنه من الأفعال الطيبة, وهذا التفصيل قالت به جماعة من أهل العلم، إلى آخر كلامه رحمه الله.
والله أعلم.